إذا كان حال الفناء بمثابة برق خطف يضرب الوعي فإن المشاهدة هي سيل متوال لا ينقطع ضياؤه من البروق، فالمشاهدة سطوع ممتد لأنوار الحقيقة الإلهية في قلب العبد،و هي بكلمات عمرو بن عثمان المكي:إن قلوب العارفين شاهدت الله مشاهدة تثبيت، فشاهدوه بكل شيء، وشاهدوا كل الكائنات به..فشاهدوه ظاهرا و باطنا، وباطنا و ظاهرا، و أولا آخرا، وآخرا أولا" ، أي أنهم عاينوا بالقلوب حقيقة الوجود الإلهي الذي به قيام العالم في كل الكائنات، فصاروا مشاهدين للأنوار الإلهية الباطنة عند مشاهدتهم الكائنات الظاهرة، و في نفس الوقت فإن هذه الأنوار الإلهية الباطنة هي النبراس الذي يرون به الكائنات الظاهرة، فصار وعيهم بالأشياء يبدأ بالله وينتهي به. و المشاهدة هي رؤية بعين القلب يتحقق فيها أعلى درجات اليقين، و قد وردت هذه الأحوال على قلوب العارفين بغير اكتساب و لا استحضار،بعد أن أجهدوا أتفسهم في التطهر من الذنوب، والشهوات التي تحجب المعارف العلوية،والسير في طريق القرب من الله، ، فهذا هو طريق العرفان الذوقي.