الإشارة : ما زال الفقراء يعظمون أشياخهم ، ويبالغون في ذلك حتى يُقبِّلون أرجلهم والترابَ بين أيديهم ، ويجتهدون في خدمتهم ، فإذا رءاهم الأشياخ فعلوا ذلك سكتوا عنهم ، لأن ذلك هو ربحهم وسبب فتحهم ، وفي ذلك قال القائل :
بذَبْح النفوس وحط الرؤوس تُصفى الكؤوس ...
لكنهم يرشدونهم إلى الحضرة ، حتى يفنوهم عن شهود الواسطة ، فيكون تعظيمهم وحط رأسهم إنما هو لله لا لغيره ، وحينئذٍ يكونون ربانيين ، علماء بالله مقربين ، وكان شيخنا يقول : لا تزوروني على أني شيخكم ، ولكن اعرفوا الله فينا ، وافنوا عن رؤية حسناً ، حتى يكون التعظيم إنما هو لله ربنا . فدلالة الأشياخ للفقراء على التعظيم والأدب ليس ذلك مقصوداً لأنفسهم ، وحاشاهم من ذلك . ما كان لبشر أن يؤتيه الله الخصوصية ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ، ولكن يقول لهم : كونوا ربانيين عارفين بالله ، حتى يكون تعظيمكم إنما هو لله ، ولا يأمر أيضاً بالفرق حتى يتخذوا الأشياء أرباباً من دون الله ، ولكن يأمر بالجمع حتى يغيبوا عما سوى الله ، وكيف يأمرهم بالفرق ، وهو إنما يدلهم على الجمع؟ أيأمرهم بالكفر بعد أن كانوا مسلمين . والله تعالى أعلم .
تفسير ابن عجيبة