الإشارة: قوله تعالى: { وعصى آدمُ ربَّه } ، اعلم أن العصيان الحقيقي هو عصيان القلوب، كالتكبر على عباد الله وتحقير شيء من خلق الله، وكالاعتراض على مقادير الله، وعدم الرضا بأحكام الله. قال بعض الصوفية:(أذنبتُ ذنبًا فأنا أبكي منه أربعين سنة، قيل: وما هو؟ قال: قلت لشيء كان: ليته لم يكن). وأما معصية الجوارح، إن لم يكن معها إصرار، فقد تُوجب القرب من الكريم الغفار؛ " معصية أورثت ذُلاً وافتقارًا خير من طاعة أورثت عزّا واستكبارًا " ، وربما قضى عليك بالذنب فكان سبب الوصول وتأمل معصية إبليس حيث كانت من القلب أورثت طردًا وإبعادًا، ومخالفة آدم؛ حيث كانت الجوارح أورثت قُربًا واجتباء.والحاصل: أن كل ما يَردُّ العبد إلى مولاه، ويحقق له العبودية والانكسار، فهو شرف له وكمال، وكل ما يُقوي وجود النفس ورفعتها فهو نقص وإبعاد، كائنًا ما كان، فالعصمة والحِفظة إنما هي من المعاصي القلبية، أو من الإصرار، وأما معاصي الجوارح فيجري على العبد ما كتب، ولا تنقصه، بل تكمله، كما تقدم فالتنزيه إنما يكون من النقائص، وهي التي تُوجب البعد عن الحق، لا مما يؤدي إلى الكمال، وبهذا تفهم أن ما وقع من الأنبياء - عليهم السلام - مما صُورته المعصية، ليس بنقص، إنما هو كمال. وكذا ما يصدر من الأولياء، على سبيل الهفوة، فتأمله، ولا تبادر بالاعتراض، حتى تصحب الرجال، فيعلموك النقص من الكمال.
قال الواسطي: العصيان لا يُؤثر في الاجتبائية، وقوله: { وعصى } أي: أظهر خلافًا، ثم أدركته الاجتبائية فأزالت عنه مذمة العصيان، ألا ترى كيف أظهر عذره بقوله: { فنسي ولم نجد له عزمًا }4. هـ. وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه: (نعمت المعصية أورثت الخلافة).