*{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }
الإشارة: قال القشيري: قيل: الداعي إلى الله هو الذي يدعو الناس إلى الاكتفاء بالله، وتَرْكِ طلب العِوَض من الله، بل يَكِلُ أمره إلى الله، ويرضى من الله بقسمة الله. ثم قال: { وعَمِلَ صالحاً } كما يدعو الخلق إلى الله يأتي بما يدعوهم إليه، ويقال: هم الذين عرفوا طريقَ الله، ثم دعوا ـ بعدما عرفوا الطريقَ إلى الله ـ الخلقَ إلى الله، { وقال إِنني من المسلمين } لحكمه، الراضين بقضائه وتدبيره. هـ.
وقال الشاذلي رضي الله عنه: عليك برفض الناس جملة، إلا مَن يدلك على الله، بإشارةٍ صادقة، وأعمال ثابتة، لا ينقضها كتاب ولا سُنَّة. هـ. وشروط الداعي إلى الله على طريق المشيخة أربعة: علم صحيح، وذوق صريح، وهمّة عالية، وحالة مرضية، كما قال زروق رضي الله عنه. وقال الشريشي في رائيته:
وللشيخ آياتٌ إذا لَن تَكنّ له | فما هُو إلا في ليالي الْهَوَى يَسْرِي | |
إذا لَمْ يكن عِلْم لَديْهِ بِظَاهرٍ | ولاَ باطنٍ فاضْرِبْ بِهِ لُجَجَ الْبَحْرِ |
وفي الإحياء: المقتدى به هو الذي استقام في نفسه، واستنار قلبه فانتشر نوره إلى غيره، لا مَن يُظهر خلاف ما هو عليه ليُقتدى به، فإنه مُلَبِّس، لم ينصح لنفسه، فكيف بغيره؟.
قال الورتجبي: ومَن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله، أي: ممن عرف الله بعد أن رآه وأحبّه واشتاق إليه، ودعا الخلق إليه، من حيث هو فيه وصَدقه في حاله، يدعو الخلق إلى الله بلسان الأفعال، وصدق المقال، وحلاوة الأحوال، ويذكر لهم شمائل القِدَم وحق الربوبية، ويُعرفهم صفات الحق وجلال ذاته، ويُحبب اللهَ في قلوبهم، وهذا عمله الصالح، ثم يقول بعد كماله وتمكنه: إنني واحد من المسلمين، مِن تواضعه ولطفِ حاله خلقاً وظرافةً، وإن كان إسلامه من قُصارى ـ أي: غاية ـ أحوال المستقيمين.
* تفسير البحر المديد