الإشارة : لا وسيلة أقرب من صحبة العارفين ، والجلوس بين أيديهم وخدمتهم ، والتزام طاعتهم ، فمن رام وسيلة توصله إلى الحضرة غير هذه فهو جاهل بعلم الطريق . قال أبو عمرو الزجّاجي رضي الله عنه : لو أن رجلاً كشف له عن الغيب ، ولا يكون له استاذ لا يجيء منه شيء .
وقال إبراهيم بن شيبان رضي الله عنه : لو أن رجلاً جمع العلوم كلها ، وصحب طوائف الناس ، لا يبلغ مبلغ الرجال إلا بالرياضة ، من شيخ أو إمام أو مؤدب ناصح ، ومن لا يأخذ أدبه من آمر له وناهٍ يريه عيوبَ أعماله ورُعونات نفسه ، لا يجوز الاقتداء به في تصحيح المعاملات .
وقال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه : كل من لا يكون له في هذا الطريق شيخ لا يفرح به . ولو كان وافر العقل منقاد النفس ، واقتصر على ما يلقى إليه شيخ التعليم فقط ، فلا يكمل كمال من تقيد بالشيخ المربي؛ لأن النفس أبدًا كثيفة الحجاب عظيمة الإشراك ، فلا بد من بقاء شيء من الرعونات فيها ، ولا يزول عنها ذلك ، بالكلية ، إلا بالانقياد للغير والدخول تحت الحكم والقهر ، وكذلك لو كان سبقت إليه من الله عناية وأخذه الحق إليه ، وجذبه إلى حضرته ، لا يؤهل للمشيخة ، ولو بلغ ما بلغ ، والحاصل : أن الوسيلة العظمى ، والفتح الكبير ، إنما هو في التحكيم للشيخ ، لأن الخضوع لمن هو من جنسك تأنفه النفس ، ولا تخضع له إلا النفس المطمئنة ، التي سبقت لها من الله العناية . والله تعالى أعلم .