آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الحكم العطائية (116) : أَمَرَكَ في هذِهِ الدّارِ بِالنَّظَرِ في مُكَوَّناتِهِ، وَسَيَكْشِفْ لَكَ في تِلَكَ الدّارِ عَنْ كَمالِ ذاتِهِ.

إنما أمرك في هذه الدار أن تنظر إليه بواسطة مكوناته ، لأنك لا تقدر هنا أن تنظر إلى حقيقة ذاته المقدسة في عظمة الجبروت الأصلي بلا واسطة ، لضعف نشأتك ، وإن كان ذلك جائزاً عقلاً ، ولذلك طلبه سيدنا موسى عليه السلام ، لكن حكمة الحكيم اقتضت تغطية أسرار الربوبية بأنوار سبحات الألوهية ، إذ لا بد للحسناء من تقارب ، وللشمس من سحاب ، ولو ظهر من غير رداء الكبرياء لوقع الإدراك ، ولم يبق حينئذ ترقي ، فالترقي في أسرار الذات إنما هو بالنظر إلى أنوار الصفات ، وهو لا ينقطع أبداً في الدراين.

فإن قلت كيف فرق الشيخ بين الرؤيتين باعتبار الدارين والتحقيق أنها رؤية واحدة لأن المظهر متحد ؟ فالجواب: أنه لما كان مظهر هذه الدار الحس فيه غالب على المعنى ، والحكمة ظاهرة والقدرة باطنة ، ومظهر الدار الآخرة بالعكس المعنى فيه غالب على الحس والقدرة ظاهرة ، انكشف ثم عن حقيقة الذات أكثر مما أنكشف هنا ، فبهذا المعنى وقع التفريق بين الرؤيتين ومثله قول الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه في حزبه الكبير:" عز الدنيا بالأيمان والمعرفة وعز الآخرة باللقاء والمشاهدة " هذا بإعتبار الخواص وأما العوام فلا يرون إلا الحس في هذه الدار وفي تلك الدار وأما الرؤية التي تحصل لهم يوم المزيد فيحتمل أن يظهر لهم نوراً من أنوار قدسه ويلهمهم المعرفة فيه وهو ظاهر الحديث، أو يفنيهم عن حسهم في ذلك لوقت حتى يشهدوا معاني الذات ويتلذذوا برؤيتها ثم يردهم إلى حسهم.

والحاصل أن تجلي الذات على قسمين: 
قسم يكون بوسائط كثيفة ظاهرها ظلمة وباطنها نور ظاهرها حكمة وباطنها قدرة ظاهرها حس وباطنها معنى وهو تجلي هذه الدار.
وقسم يكون بوسائط لطيفة نورانية ظاهرها نور وباطنها نور ظاهرها قدرة وباطنها حكمة ظاهرها معنى وباطنها حس وهو تجلي دار الآخرة.

فالعارفون لما حصل لهم الشهود والمعرفة في هذه الدار، وفي تلك الدار لا يحجبهم عن الله حور ولا قصور بل دائماً في النظرة والسرور والنضرة والحبور وذلك أنهم لما عرفهم به هنا لم يحجبهم هنالك "يموت المرء على ما عاش عليه ويبعث على مامات عليه" بخلاف العامة فأنهم لما حجبهم هنا بشهود أنفسهم أنحجبوا هنالك عن رؤية معبودهم إلا في وقت مخصوص على وجه مخصوص ولذلك كتب ابن العربي الحاتمي إلى الأمام الرازي فقال له تعال نعرفك بالله اليوم قبل أن تموت فإذا تجلى الله لعباده أنكرته ولم تعرفه.

والحاصل أن الروح ما دامت محجوبة بالبشرية كان النظر إنما هو للبصر الحسي فلا يرى إلا الحس فإذا أستولت الروحانية على البشرية أنعكس نظر البصر إلى البصيرة فلا يرى البصر إلا المعاني التي كانت تراها البصيرة.

وهو معنى قول شيخ شيوخنا المجذوب:
غيبت نظري في نظر ... وأفنيت عن كل فاتي
حققت ما وجدت غير ... وأمسيت في الحال هاني

وإنما أمرك في هذه الدار أن تنظر إليه في مكوناته تسلية لك عن شهود ذاته والنظر إليه إذ لا صبر للمحب عن محبوبه.

إيقاظ الهمم في شرح الحكم

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية