"العلم" اللدنيّ" هو علم من بين العلوم الإلهية الكثيرة التي يعلّمها الله عباده ، لكنه يختلف عنها في وسيلة التعلّم ، ووسيلته هو الإدراك الروحي المباشر المختزل لكلّ حُجُبِ المادّة بمحض الإختيار الإلهي ، وحسن رعايته وتوجيهه إلى سبُل الإخلاص والتقوى واتّباع الشريعة،وهو الذي يفيض على القلب من غير اكتساب ولا تعلم، قال عليه الصلاة والسلام: " من عَمِلَ بِمَا عَلِمَ أَوْرَثَهُ اللهُ علمَ مَا لَمْ يَعْلَمْ " وذلك بعد تطهير القلب من النقائص والرذائل، وتفرغه من العلائق والشواغل، فإذا كمل تطهير القلب، وانجذب إلى حضرة الرب، فاضت عليه العلوم اللدنية، والأسرار الربانية، منها ما تفهمها العقول وتدخل تحت دائرة النقول، ومنها ما لا تفهمها العقول ولا تحيط بها النقول، بل تُسلم لأربابها، من غير أن يقتدى بهم في أمرها، ومنها ما تفيض عليهم في جانب علم الغيوب؛ كمواقع القدر وحدوث الكائنات المستقبلة، ومنها ما تفيض عليهم في علوم الشرائع وأسرار الأحكام، ومنها في أسرار الحروف وخواص الأشياء، إلى غير ذلك من علوم الله تعالى.
والعلم اللدني علم ثابت ولا يصح إنكاره، لقوله تعالى: (وعلمناه من لدنا علماً)، وفي قصة الخضر عليه السلام قوله لنبي الله موسى الكليم عليه وعلى نبينا السلام: (إني على علم من الله علمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علم علمكه الله لا أعلمه)،.. فكيف نحتقر عالما آتاه الله علما منه، فإن الله عز وجل لم يحقره إذ آتاه إياه.
ويتميّز هذا العلم بخاصيّتين : - خصوصية كسبه وتلقّيه لأنّه ثمرة اجتباء رباني .
- إستعصاؤه أو استعصاء جلّه عن التعبير المألوف .
ويُسمّى العلم اللدنيّ كذلك بـ " علم الحقيقة " أو " العلم الباطني " ، وهذا أيضا من مصطلحات القوم التي يقابلها عندهم مصطلح " علم الشريعة " . وقد يختصر البعضُ المصطلَحَيْن فيقول : " الشريعة والحقيقة " .
ولتوضيح الصورة أكثر نقول أن المخلوق البشري ـ من غير استثناء ـ في حالة وجوده يمرّ بأربعة مراحل :
- المرحلة الأولى : وهي مرحلة ما بعد إيجاده من عدم في عالم الأرواح .
- المرحلة الثانية : حين أُدخِلت الأرواح في الأجساد لتمضية أيام الحياة الدنيا .
إنّها نفس الذات التي كانت في المرحلة الأولى وكانت تتمتّع بخصائص روحانية أُجْبِرت الآن على الحلول بداخل هذا الحيّز الضيّق . إنها تشبه في ذلك شخصا كان طليقا حرّا سائحا في كلّ مكان على الأرض ، ففُرِضتْ عليه الإقامة الجبرية في بيت محروس حدّتْ من حركته وتعامله وعلمه .
والذّاتُ الرابضة داخل الجسد كانت تعلم الكثير قبل دخوله لكنّها لم تعُدْ تتذكّر . فحينما كانت على حالتها الأولى سمعتْ الخطاب الإلهي المذكور في القرآن العظيم : {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} وقد أجابت { بَلَى } . مَن منّا يذكر ذلك ؟ لا أحد طبعا . واسألْ أيّ مسلم أدّى فريضة الحجّ : هل تتذكّر جوابك بالتلبية حينما خاطبك سيدنا إبراهيم الخليل عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم وأنت في عالم الأرواح ودعاك مع الجميع لحجّ بيت الله الحرام كما ورد في الحديث الصحيح ؟ وسوف يردّ عليك بالنفي .
الحجب تحيط بك من كلّ مكان ، وتطبق عليك من جميع أقطارك ، وليس لك سوى حواسك وعقلك لإدراك وفهم العالم الخارجي ، وهو إدراك لا يفلح في اقتناص الكثير من معانيه وحقائقه ، ولا تصل إليه إلاّ ظنّا و تقريبا ، أو تسليما إذا تعلّق الأمر بما لا إِذْنَ في خوضه بالعقل وحده .
- المرحلة الثالثة : انتهاء العمر الدنوي ، ومغادرة الجسد ، وولوج عالم البرزخ على هيئة روحانية ذات خصائص معيّنة .
- المرحلة الرابعة : وهي القيام لربّ العالمين ، والإستقرار النهائي في عالم الآخرة .
إنّ الذات طيلة هذه المراحل هي نفسها ، والمتغيّر هو الثوب الذي يُلْبَس لها أثناء كل مرحلة . فاختلاف الأحوال والخصائص ليس بدعا من ذات البشر إذَنْ ، والذين يحصرون طاقتها في مستوى ما تطاله جوارح الجسد الترابي يحجّرون على واسع ثبت وجوده وإمكانية نيله .
وموقع علم الشريعة والحقيقة الذي يتحدّث عنه العارفون هو في المرحلة الثانية حين تكون الروح في الجسد الطيني الدنيوي ، لكن الفرق هذه المرّة يكمن في شفافيةٍ نسبيةٍ للحجب التي كانت كثيفة ، وفي هامش من الحريّة الإضافية الإستثنائية مقرونة بشروطها للتفلّتِ من قيود النواميس المادية المطّردة . ولْنعدْ إلى صاحبنا في إقامته الجبرية ، لكن لنتصوّر أنه نُقِل إلى شقّة بأعلى برج جدرانه من زجاج تخفيفا عنه . فبعد العزلة المريعة أصبح الآن يتمتّع ببعض الحرية المعنوية ، ويرى الشمس ، والضواحي ، ويشاهد حركة الناس في كلّ اتجاه . وأنتَ لو قارنته مع غيره من كثير من السجناء فإنّ حالته الجديدة تعدّ نعمة عظمى ، وحظوة قصوى في أعينهم .
هذا فقط مثال لتقريب الفهم .
إنّ علم الحقيقة هو العلم الحاصل لمن هذا حاله ممّن قرّبه الله من المؤمنين في مقام الإحسان فأطلعه يقينا لا يعتريه مقدار ذرّة من ريبٍ على حقائق من مراده في ما شاء هو من أموره في ملكه وملكوته . معارفه تصل إلى روحه عبر قنوات غير قنوات الحواس والعقل والوسائط ، ولكنها تُعْرَضُ عرضا أمام الروح فتراها " شهادة " لا " رجماً بالغيب " .هناك ملحوظة هامة جداً، فإن أي علم يخالف شريعة الله فهو باطل.. حتى لو كان ذلك العلم مروياً عن أي أحد من الأكابر أو الأولياء أو المكاشفين أو الخواص أو غيرهم فالدّين والشرع يعلوان على كلّ شيء ولا يعلوهما شيء.. وما ورد في قصة الخضر ونبي الله موسى عليهما السلام ليس بحجة على علوية اللدنيات على الشريعة وإلا لما اعترض رسول الله موسى عليه السلام على الخضر، ولولا أن الله سبحانه قد أمره بذلك قبل الذهاب إلى الخضر لأقام سيدنا موسى عليه الحدّ الشرعي..
استطيع ان اتفق معك علي الكثير من المقالة . لكن ان يضع البعض شروطا لي الوصول للعلم اللدني . اظن انه هناك خلل عميق .
ردحذففمثلا من قال تصفي القلب من كل العوائق فتجد النور قد بداء الانكشاف . هل موسي الذي ات الخضر قلبه به نواقص مثلا فيتجلي لي الخضر و موسي لا
قطعا لا . كيف تجلي ابن عربي و موسي لا
نوافق علي العلم اللدني ونؤمن بما قال الله عن نفسه
لكن الوصول مجهول غير معلوم
احسنت
حذفهو منحه من الله لمن احتاره من عباده
ردحذف