( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّهِ وَلَٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)
أي ليس من صفة من اختراناه للنبوة واصطفيناه للولاية أن يدعو الخلق إلى نفسه ، أو يقول بإثبات نفسه وحظه ، لأن اختياره - سبحانه - إياهم للنبوة يتضمن عصمتهم عما لا يجوز ، فتجويز ذلك في وصفهم مناف لحالهم ، وإنما دعاء الرسل والأولياء - للخلق - إلى الله سبحانه وتعالى ، وهو معنى قوله تعالى : { ولكن كونوا ربانيين } أي إنما أشار بهم على الخلق بأن يكونوا ربانيين ، والرباني منسوب إلى الرب كما يقال فلان دقياني ولحياني . . . وبابه .وهم العلماء بالله الحلماء في الله القائمون بفنائهم عن غير الله ، المستهلكة حظوظهم ، المستغرقون في حقائق وجوده عن إحساسهم بأحوال أنفسهم ، ينطقون بالله ويسمعون بالله ، وينظرون بالله ، فهم بالله محو عما سنى الله .
ويقال الرباني من ارتفع عنه ظل نفسه ، وعاش في كنف ظله - سبحانه .
ويقال الرباني الذي لا يثبت غير ربه موحدا ، ولا يشهد ذرة من المحو والإثبات لغيره أو من غيره .
ويقال الرباني من هو محق في وجوده - سبحانه - ومحو عن شهوده ، فالقائم عنه غيره ، والمجري لما عليه سواه .
ويقال الرباني الذي لا تؤثر فيه تصاريف الأقدار على اختلافها .
ويقال الرباني الذي لا تغيره محنة ولا تضره نعمة - فهو على حالة واحدة في اختلاف الطوارق .
ويقال الرباني الذي لا يتأثر بورود وارد عليه ، فمن استنطقته رقة قلب ، أو استماله هجوم أمر ، أو تفاوتت عنده أخطار حادث - فليس برباني .
ويقال إن الرباني هو الذي لا يبالي بشيء من الحوادث بقلبه وسره ، ومن كان لا يقصر في شيء من الشرع بفعله .
{ بما كنت تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } من توالي إحساني إليكم ، وتضاعف نعمتي لديكم .
تفسير القشيري