سبحان مَنْ تعرَّف إلى أوليائه بنعوته وأسمائه فعرَّفهم أنه مَنْ هو، وبأي وصفٍ هو، وما الواجب في وصفه، وما الجائز في نعته، وما الممتنع في حقِّه وحكمه؛ فتجلى لقلوبهم بما يكاشفهم به من أسمائه وصفاته، فإن العقولَ محجوبةٌ عن الهجوم بذواتها بِمَا يَصِحُّ إطلاقُه في وصفه، وإنْ كانت واقفةً على الواجب والجائز والممتنع في ذاته، فللعقل العرفان بالجملة، وبالشرع الإطلاق والبيان في الإخبار، والقول فيما وَرَدَ به التوفيق يُطْلَقِ، وما سَكَتَ عنه التوفيق يُمْنَع.
ويقال مَنْ كان الغالب عليه وصفٌ من صفاته ذَكَره بما يقتضي هذا الوصف؛ فمن كان مكاشَفاً بعَطائه، مربوطَ القلبِ بأفضاله فالغالبُ على قالته الثناء عليه بأنه الوهاب والبار والمُعْطِي وما جرى مجراه. ومن كان مجذوباً عن شهود الإنعام، مكاشفاً بنعت الرحمة فالذي يغلب على ذكره وصفه بأنه الرحمن والرحيم والكريم وما في معناه. ومَنْ سَمتْ هِمَّتُه عن شهود وجوده، واستهلك في حقائق وجوده فالغالب على لسانه الحق. ولذلك فأكثر أقوال العلماء في الإخبار عنه: " البارئ " لأنهم في الترقي في شهود الفعل إلى شهود الفاعل. وأمَّا أهل المعرفة فالغالب على لسانها " الحق " لأنهم مُخْتَطفُون عن شهود الآثار، متحققون بحقائق الوجود.
وقال إنَّ الله - سبحانه - وقف الخلْق بأسمائه فهم يذكرونها قالةً، وتعزَّزَ بذاته، والعقول - وإنْ صَفَتْ لا تهجم على حقائق الإشراف، إذ الإدراك لا يجوز على الحق؛ فالعقول عند بواده الحقائق متقنعة بنقاب الحيرة عند التعرض للإحاطة، والمعارف تائهة عند قصد الإشراف على حقيقة الذات، والأبصار حسيرةٌ عند طلب الإدراك في أحوال الرؤية، والحق سبحانه عزيز، وباستحقاق نعوت التعالي مُتَفَرِّد.
قوله: { وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِيۤ أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }: الإلحاد هو الميل عن القصد، وذلك على وجهين بالزيادة والنقصان؛ فأهل التمثيل زادوا فألحدوا، وأهل التعطيل نقصوا فألحدوا.