اليقين:
فاليقين روح أعمال القلوب التي هي أرواح أعمال الجوارح . وهو حقيقة الصديقية . وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره .
الْيَقِين مركب الْآخِذ فِي هَذَا الطَّرِيق وَهُوَ غَايَة دَرَجَات الْعَامَّة وَقيل أول خطْوَة الْخَاصَّة.
فلولا اليقين ما سار ركب إلى الله ، ولا ثبت لأحد قدم في السلوك إلا به .
وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات:
الدرجَة الأولى: (علم الْيَقِين)
والدرجة الثَّانِيَة: (عين الْيَقِين)
والدرجة الثَّالِثَة :(حق الْيَقِين )
ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا . وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط ، وهم وغم . فامتلأ محبة لله . وخوفا منه ورضا به ، وشكرا له ، وتوكلا عليه ، وإنابة إليه . فهو مادة جميع المقامات والحامل لها .
وعند القوم : اليقين لا يساكن قلبا فيه سكون إلى غير الله .
وقال ذو النون : اليقين يدعو إلى قصر الأمل ، وقصر الأمل يدعو إلى الزهد . والزهد يورث الحكمة ، وهي تورث النظر في العواقب .
قال : وثلاثة من أعلام اليقين : قلة مخالطة الناس في العشرة . وترك المدح لهم في العطية . والتنزه عن ذمهم عند المنع . وثلاثة من أعلامه أيضا : النظر إلى الله في كل شيء . والرجوع إليه في كل أمر . والاستعانة به في كل حال .
الفرق بين علم اليقين وعين اليقين : كالفرق بين الخبر الصادق والعيان . وحق اليقين : فوق هذا .
وقد مثلت المراتب الثلاثة بمن أخبرك : أن عنده عسلا ، وأنت لا تشك في صدقه . ثم أراك إياه . فازددت يقينا . ثم ذقت منه .
فالأول : علم اليقين . والثاني : عين اليقين . والثالث : حق اليقين .
فعلمنا الآن بالجنة والنار : علم يقين . فإذا أزلفت الجنة في الموقف للمتقين وشاهدها الخلائق . وبرزت الجحيم للغاوين . وعاينها الخلائق . فذلك : عين اليقين . فإذا أدخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار : فذلك حينئذ حق اليقين .