الإشارة : ألم تر أن الله خلق سماوات الأرواح، لشهود الحق في مقام التعريف، وأرض النفوس لعبادة الحق في مقام التكليف. الأرواح مستقرها سماء الحقائق، والأشباح مقرها أرض الشرائع. عالم الأرواح محل التعريف، وعالم الأشباح محله التكليف. والأرواح لا تنفك عن الأشباح في الصورة الخلقية، غير أنها تعرج عنها بالتصفية والذكر، حتى تترقى إلى عالم الأرواح، فلا تشهد إلا الأرواح في محل الأشباح؛ وهذا من أعظم أسرار الربوبية، التي يطلع عليها العارفون بالله، فإذا أطلعهم الله على هذا المقام، كُوشفوا بأسرار الذات العلية، وبعالم الأرواح الذي هو مظهر أرواح الأنبياء والرسل، فلا يغيبون عن الله ساعة، ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن مقام أرواح الأنبياء والأولياء. وفي هذا المقام قال الشيخ أبو العباس المرسي رضي الله عنه: لي ثلاثون سنة، ما غاب عني الحق طرفة عين. وقال أيضاً: لو غاب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ما عددت نفسي من المسلمين. وقال شيخ شيوخنا سيدي علي الجمل العمراني رضي الله عنه: مما منَّ الله به عليَّ أني ما ذكرتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ولا خطر على قلبي إلا وجدتني بين يديه... الخ كلامه. نفعنا الله بهم.
وأهل هذا المقام موجودون في كل زمان، فإن القادر في زمانهم هو القادر في زماننا.
تفسير ابن عجيبة