تنبيه : في أن اللذات العقلية لو كانت كمالات لتشتاق النفوس إليها
الآن إذا كنت في البدن و في شواغله و علائقه و لم تشتق إلى كمالك المناسب أو لم تتألم بحصول ضده فاعلم أن ذلك منك لا منه. و فيك من أسباب ذلك بعض ما نبهت عليه.
تنبيه : في بيان بقاء ما هو أضداد كمال النفس
و اعلم أن هذه الشواغل التي هي كما علمت من أنها انفعالات و هيئات تلحق النفس بمجاورة البدن إن تمكنت بعد المفارقة كنت بعدها كما كنت قبلها لكنها تكون كآلام متمكنة كان عنها شغل. فوقع إليها فراغ. فأدركت من حيث هي منافية.
و ذلك الألم المقابل لمثل تلك اللذة الموصوفة و هو ألم النار الروحانية فوق ألم النار الجسمانية.
تنبيه : في بيان مراتب الأشقياء
ثم اعلم أن ما كان من رذيلة النفس من جنس نقصان الاستعداد للكمال الذي يرجى بعد المفارقة فهو غير مجبور، و ما كان بسبب غواش غريبة فيزول و لا يدوم بها التعذب.
تنبيه : في الفرق بين الناقصين المعذبين
و اعلم أن رذيلة النقصان إنما تتأذى بها النفس الشيقة إلى الكمال.
و ذلك الشوق تابع لتنبه يفيده الاكتساب. و البله بجنبة [نجية خ] من هذا العذاب.
و إنما هو للجاحدين و المهملين و المعرضين عما ألمع به إليهم من الحق. فالبلاهة أدنى إلى الخلاص من فطانة بتراء.
تنبيه : في أن وضع درن مقارنة الابدان
و العارفون المتنزهون إذا وضع عنهم درن مقارنة البدن و انفكوا عن الشواغل خلصوا إلى عالم القدس و السعادة و انتقشوا بالكامل الأعلى و حصلت لهم اللذة العليا. و قد عرفتها.
تنبيه : في وجود اللذة الحقيقية قبل الموت
و ليس هذا الالتذاذ مفقود من كل وجه و النفس في البدن؛ بل المغمسون في تأمّل الجبروت المعرضون عن الشواغل يصيبون و هم في الأبدان من هذه اللذة حظا وافرا قد يتمكن منهم فيشغلهم عن كل شيء.
تنبيه : في بيان حال النفوس المستعدة للكمال
و النفوس السليمة التي هي على الفطرة و لم يفظظها مباشرة الأمور الأرضية الجاسية إذا سمعت ذكرا روحانيا يشير إلى أحوال المفارقات غشيها غاش شائق لا يعرف سببه، و أصابها وجد مبرح [مبرج خ] مع لذة مفرحة يفضي ذلك بها إلى حيرة و دهش.
و ذلك للمناسبة و قد جرب هذا تجريبا شديدا. و ذلك من أفضل البواعث. و من كان باعثه إياه لم يقنع إلا بتتمة الاستبصار. و من كان باعثه طلب الحمد و المنافسة أقنعه ما بلغه الغرض. فهذه حال لذة العارفين.
تنبيه : في بيان حال النفوس الخالية عن الكمال
و أما البله فإنهم إذا تنزهوا خلصوا من البدن إلى سعادة تليق بهم. و لعلهم لا يستغنون فيها عن معاونة جسم يكون موضوعا لتخيلات لهم و لا يمتنع أن يكون ذلك جسما سماويا أو ما يشبهه. و لعل ذلك يفضي بهم آخر الأمر إلى الاستعداد للاتصال المسعد الذي للعارفين.
فأما التناسخ في أجسام من جنس ما كانت فيه فمستحيل و إلا لاقتضى كل مزاج نفسا يفيض إليه و قارنتها النفس المستنسخة. فكان لحيوان واحد نفسان. ثم ليس يجب أن يتصل كل فناء بكون و لا أن يكون عدد الكائنات من الأجسام عدد ما يفارقها من النفوس مفارقة يستحق بدنا واحدا فيتصل به أو يتدافع عنه متمانعة. ثم أبسط هذا و استعن بما تجده في مواضع أخر لنا.
إشارة : في بيان ترتيب الجواهر العاقلة في درك اللذة
أجل مبتهج بشيء هو الأول بذاته لأنه أشد الأشياء إدراكا لأشد الأشياء كمالا الذي هو بريء عن طبيعة الإمكان و العدم و هما منبعا الشر و لا شاغل له عنه.
و العشق الحقيقي هو الابتهاج بتصور حضرة ذات ما، و الشوق هو الحركة إلى تتميم هذا الابتهاج إذا كانت الصورة متمثلة من وجه كما يتمثل في الخيال غير متمثلة من وجه كما يتفق أن لا تكون متمثلة في الحس حتى يكون تمام التمثل الحسي للأمر الحسي.
فكل مشتاق فانه قد نال شيئا ما. و فاته شيء ما. و أما العشق فمعنى آخر. و الأول عاشق لذاته معشوق لذاته عشق من غيره أو لم يعشق؛ و لكنه ليس لا يعشق من غيره بل هو معشوق لذاته من ذاته و من أشياء كثيرة غيره.
و يتلوه المبتهجون به و بذواتهم من حيث هم مبتهجون به و هم الجواهر العقلية القدسية. فليس ينسب إلى الأول الحق، و لا إلى النائلين من خلص أوليائه القدسيين شوق.
و بعد المرتبتين مرتبة العشاق المشتاقين. فهم من حيث هم عشاق قد نالوا نيلا ما فهم ملتذون. و من حيث هم مشتاقون فقد يكون لأصناف منهم أذى ما. و لما كان الأذى من قبله كان أذى لذيذا. و قد تحاكى مثل هذا الأذى من الأمور الحسية محاكاة بعيدة جدا حال أذى الحكة و الدغدغة. فلربما خيل ذلك شيئا بعيدا منه. و مثل هذا الشوق مبدأ حركة ما فإن كانت تلك الحركة مخلصة إلى النيل بطل الطلب و حقت البهجة. و النفوس البشرية إذا نالت الغبطة العليا في حياتها الدنيا كان أجل أحوالها أن تكون عاشقة مشتاقة لا تخلص عن علاقة الشوق. اللهم إلا في الحياة الأخرى.
و يتلو هذه النفوس نفوس أخرى بشرية مترددة بين جهتي الربوبية و السفالة على درجاتها، ثم يتلوها النفوس المغموسة في عالم الطبيعة المنحوسة التي لا مفاصل لرقابها المنكوسة.
تنبيه : في إثبات ما أثبته لبعض الجواهر العاقلة من العشق و الشوق
فإذا نظرت في الأمور و تأملتها وجدت لكل شيء من الأشياء الجسمانية كمالا يخصه، و عشقا إراديا أو طبيعيا لذلك الكمال، و شوقا طبيعيا أو إراديا إليه إذا فارقه رحمة من العناية الأولى على النحو الذي هي به عناية. فهذه جملة و تجد في العلوم المفصلة لها تفصيلا.
النمط التاسع في مقامات العارفين
تنبيه : في أن للعارفين درجات
إن للعارفين مقامات و درجات يخصون بها و هم في حياتهم الدنيا دون غيرهم.
فكأنهم و هم في جلابيب من أبدانهم قد نضوها و تجردوا عنها إلى عالم القدس و لهم أمور خفية فيهم و أمور ظاهرة عنهم. يستنكرها من ينكرها و يستكبرها من يعرفها.