الإشارة : قصة سيدنا موسى مع الخضر - عليهما السلام - هي السبب في ظهور التمييز بين أهل الظاهر وأهل الباطن ، فأهل الظاهر قائمون بإصلاح الظواهر ، وأهل الباطن قائمون بتحقيق البواطن . أهل الظاهر مغترفون من بحر الشرائع ، وأهل الباطن مغترفون من بحر الحقائق . قيل : هو المراد بمجمع البحرين ، حيث اجتمع سيدنا موسى ، الذي هو بحر الشرائع ، والخضر عليه السلام ، الذي هو بحر الحقائق ، ولا يفهم أن سيدنا موسى عليه السلام خال من بحر الحقائق ، بل كان جامعا كاملا ، وإنما أراد الحق تعالى أن ينزله إلى كمال الشرف ، بالتواضع في طلب زيادة العلم؛ تأديبا له وتربية ، حيث ادعى القوة في نسبته العلم إلى نفسه ، وفي الحكم : « منعك أن تدعي ما ليس لك مما للمخلوقين ، أفيبيح لك أن تدعي وصفه وهو رب العالمين! » .
وهذه عادة الله تعالى مع خواص أحبائه ، إذا أظهروا شيئا من القوة ، أو خرجوا عن حد العبودية ، ولو أنملة ، أدبهم بأصغر منهم علما وحالا؛ عناية بهم ، وتشريفا لهم؛ لئلا يقفوا دون ذروة الكمال ، كقضية الشاذلي مع المرأة التي قالت له : تمن على ربك بجوع ثمانين يوما ، وأنا لي تسعة أشهر ما ذقت شيئا . وكقضية الجنيد والسري في جماعة من الصوفية ، حيث تكلموا في المحبة ، وفاض كل واحد على قدر اتساع بحره فيها ، فقامت امرأة بالباب ، عليها جبة صوف ، فردت على كل واحد ما قال ، حيث أظهروا قوة علمهم ، فأدبهم بامرأة .
ويؤخذ من طلب موسى الخضر - عليهما السلام - والسفر إليه : الترغيب في العلم ، ولا سيما علم الباطن ، فطلبه أمر مؤكد . قال الغزالي رضي الله عنه : هو فرض عين؛ إذ لا يخلو أحد من عيب إو إصرار على ذنب ، إلا الأنبياء - عليهم السلام - وقد قال الشاذلي رضي الله عنه : من لم يغلغل في علمنا هذا مات مصرا على الكبائر وهو لا يشعر .
ابن عجيبة