أما الآداب التي تكون مع الشيخ فمرجعها إلى ثمانية أمور: أربعة ظاهرة وأربعة باطنة فأما الظاهرة فأولها أمتثال أمره وإن ظهر له خلافه وأجتناب نهيه وأن كان فيه حتفه فخطأ الشيخ أحسن من صواب المريد وثانيها السكينة والوقار في الجلوس بين يديه فلا يضحك بين يديه ولا يرفع صوته عليه ولا يتكلم حتى يستدعيه للكلام أو يفهم عنه بقرائن الأحوال كحال المذاكرة بخفض صوت ورفق ولين ولا يأكل معه ولا بين يديه ولا ينام معه أو قريباً منه قال شيخ شيوخنا سيدي علي رضي الله عنه في كتابه ومن آداب المريد مع الشيخ أن لا يأكل معه ولا ينام معه ولا يضحك بين يديه ولا ينام في فراشه ولا يجلس في موضع جلوسه ولا يتكلم في مجلس الشيخ ولو كلمة واحدة والكلام فيه سوء الأدب أكثر من كل شيء وكل ما يشبه هذه الأوصاف يؤدي لعدم التعظيم والأزدراء بجانب الشيخ وذلك هو الخسران المبين والعياذ بالله من السلب بعد العطاء والطرد بعد الأقبال. قالوا أجعل عملك ملحاً وأدبك دقيقاً وقال الشاعر، أدب العبد تذلل، والعبد لا يدع الأدب، فإذا تكامل ذله، نال المودة وأقترب، وثالثها المبادرة إلى خدمته بقدر الأمكان بنفسه أو بماله أو بقوله، فخدمة الرجال، سبب الوصال، لمولي الموالي، وقال سيدي عبد الله الهبطي الزجلي رضي الله عنه في منظومة له في السلوكتى يوئسه من هذا العالم ولم يبق له ركون إلى شيء منه فحينئذ يصطفيه لحضرته ويجتبيه لمحبته فليس له حينئذ عن نفسه أخبار ولا مع غير الله قرار وأصل ذلك قضية سيدنا موسى عليه السلام لما علم الله تعالى محبته لعصاه وركونه إليها قال له الحق تعالى " وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآارب أخرى " أي حوائج أخر قال له ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى فلما فرعنها وقطع يأسه منها قال له خذها ولا تخف لأنها لا تضرك حيث رجعت إليها بالله ويقال للفقير وما تلك بيمينك أيها الفقير فيقول هي دنياي أعتمد عليها وأقضي بها مأربي فيقال له ألقها من يدك فإذا هي حية تسعى كانت تلدغه وهو لا يشعر فإذا أيس منها وأستأنس بالله وأطمأن به قيل له خذها ولا تخف لأنك تأخذها بالله لا بنفسك والله تعالى أعلم ومواطن الآداب التي يخل بها المريد فيعاقب عليها ثلاثة آداب مع الله ورسوله وآداب مع الشيخ وآداب مع الأخوان فأما الآداب مع الله بأعتبار العوام فبأمتثال أمره وأجتناب نهيه ومع رسوله بأتباع السنة ومجانبة أهل البدعة فإذا قصروا في الأمر أو خالفوا في النهي عوقبوا عاجلاً في الحس أو آجلاً في المعنى والحس وبإعتبار الخواص مع الله بالأكثار من ذكره ومراقبة حضوره وإيثار محبته، زاد الشيخ زروق وحفظ الحدود والوفاء بالعهود والتعلق بالملك الودود والرضى بالموجود وبذل الطاقة والمجهود . ومع رسوله صلى الله عليه وسلم بإيثار محبته والأهتداء بهديه والتخلق بأخلاقه فإذا قصروا في ذكره أو جالت قلوبهم في غير حضرته أو مالت محبتهم إلى شيء سواه أو قصروا في شيء مما تقدم أو حلوا عقدة عقدوها مع الله عوقبوا في الحس بالضرب أو السجن أو الأذاية باللسان أو في المعني وهو أشد كقطع المدد وإيجاب الطرد والأقامة مقام البعد. وبإعتبار خواص الخواص وهم الواصلون يكون مع الله بالتواضع معه في كل شيء والتعظيم لكل شيء ودوام معرفته في تجليات الجلال والجمال أو مع أختلاف الآثار وتنقلات الأطوار ومع رسوله صلى الله عليه وسلم بالتحقق بحسبه وتعظيم أمته وشهود نوره كما قال أبو العباس المرسي: لي ثلاثون سنة ما غاب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفة عين ولو غاب عني ما أعددت نفسي من المسلمين فإذا قصر العارف فيما تقدم في حقه أو في حق غيره من الآداب عوقب في الحس أو في المعنى والغالب تيقظه في الحين فيستدرك ما فات "ان الذين أتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون" فهذه جملة الآداب التي تكون مع الله من العوام والخواص وخواص الخواص أو تقول من الطالبين والسائرين والواصلين والله تعالى أعلم.
ايقاظ الهمم في شرح الحكم