" وبعد أن نبهتك علي ما نبهتك عليه مما تقع لك به الفائدة فإعلم أن الله خاطب الأنسان بجملته وما خص ظاهرة من باطنه ولا باطنه من ظاهرة فتوفرت دواعي الناس أكثرهم إلي معرفة أحكام الشرع في ظواهرهم وغفلوا عن الأحكام المشروعة في بواطنهم إلا القليل وهم أهل طريق الله فإنهم بحثوا في ذلك ظاهرا وباطنا فما من حكم قرووه شرعا في ظواهرهم إلا وراوا أن ذلك الحكم له نسبه إلي بواطنهم أخذوا علي ذلك جميع أحكام الشرائع فعبدوا الله بما شرع لهم ظاهرا وباطنا ففازوا حين خسر الأكثرون ونبعت طائفة ثالثة ضلت وأضلت فأخذت الأحكام الشرعية وصرفتها في بواطنهم وما تركت من حكم الشريعة في الظواهرشيئا تسمي الباطنية وهم في ذلك علي مذاهب مختلفة
وقد ذكر الإمام أبو حامد في كتاب المستظهرى له في الرد عليهم شيئا من مذاهبهم وبين خطأهم فيها والسعادة إنما هي مع أهل الظاهر وهم في الظرف والنقيض من أهل الباطن والسعادة كل السعادة مع الطائفة التي جمعت بين الظاهر والباطن وهم العلماء بالله وبأحكامه وكان في نفسي إن أخر الله في عمرى أن أضع كتابا كبيرا اقرر فيه مسائل الشرع كلها كما وردت في أماكنها الظاهرة وأقررها فإذا استوفينا المسألة المشروعة في ظاهر الحكم جعلنا إلي جانبها حكمها في باطن الإنسان فيسرى حكم الشرع في الظاهر والباطن فإن أهل طريق الله وإن كان هذا غرضهم ومقصدهم ولكن ما كل أحد منهم يفتح الله له في الفهم حتي يعرف ميزان ذلك الحكم في باطنه فقصدنا في هذا الكتاب إلي الأمر العام من العبادات وهي الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والتلفظ بلا إله الله محمد رسول الله فأعتنيت بهذه الخمسة لكونها من قواعد الإسلام التي بني الإسلام عليها وهي كالأركان للبيت فالإيمان هو عين البيت ومجموعة وباب البيت الذى يدخل منه اليه وهذا الباب له مصراعان وهمنا التلفظ بالشهادتين وأركان البيت أربعة وهي الصلاة والزكاة والصيام والحج فجردنا العناية في إقامة هذا البيت لنسكن فيه ويقينا من زمهرير نفس جهنم وحرورها قال النبي " اشتكت النار إلي ربها فقالت يا رب اكل بعضي بعضا فأذن لها بنفسين نفسي في الشتاء ونفسي في الصيف فما كان من سموم وحرور فهو من نفسها وما كان من برد وزمهرير فهو من نفسها" فاتخذ الناس البيوت لتقيهم حر الشمس وبرد الهواء فينبغي للعاقل أن يقيم لنفسه بيتا يكنه يوم القيامة من هذين النفسين في ذلك اليوم لأن جهنم في ذلك اليوم تأتي بنفسها تسعي إلي الموقف تفور تكاد تميز من الغيظ علي أعداء الله فمن كان في مثل هذا البيت وقاه الله من شرها وسطوتها ولما كانت الطهارة شرطا في صحة الصلاة أفردنا لها باب قدمنا بين يدى باب الصلاة ثم يتلوها الزكاة ثم الصوم ثم الحج ويكفي في هذا الكتاب هذا القدر من العبادات فأتتبع أمهات مسائل كل باب منها وأقررها بالحكم الكلي باسمها في الظاهر ثم انتقل إلي حكم تلك المسألة عينها في الباطن إلي أن أفرغ منها والله يؤيد ويعين انتهي ما أردت نقله هنا من أوائل هذا الباب فإنه رضي الله عنه شرع بعد ذلك في إبراد الأحكان الشرعية ظاهرا وأخذ الاعتبار منها باطنا سار في ذلك مقررا ومحققا إلي آخر العبادات فارجع إلي كتاب الفتوحات المكية إن أردت الاستفادة.
الشيخ يكون من أرحم خلق الله بخلق الله،إذ أنه (ينبغي لورثته عليه الصلاة والسلام الداعين إلى الله، أن يتخلقوا بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، فيشق عليهم ما ينزل بالمؤمنين من المشاق والمكاره، وييسرون ولا يعسرون عليهم، ويحرصون على الخير للناس كافة، ويبذلون جهدهم في إيصاله إليهم، ويرحمونهم ويشفقون عليهم، فإن ادبروا عنهم، استغنوا بالله وتوكلوا عليه، وفوضوا أمرهم إليه، من غير أسف ولا حزن)من كتاب (الشيخ في التراث الصوفي) للدكتور احمد غاني _المملكة المغربية
ردحذف