منير القادري حفيد شيخ الطريقة البودشيشية قال إن منهج الإسلام إصلاحي يُراعي دفع المفاسد وجلب المصالح
أكد منير القادري بودشيش، مدير الملتقى العالمي للتصوف الذي تنظمه الطريقة القادرية البودشيشية، سنويا، أنه لابد للإصلاح من بعد أخلاقي وروحي، حتى يكون في منأى عن كل توجه أو نزوع نحو الاستبداد والجشع والظلم والأنانية، ولكي تتحقق حرية الإنسان وكرامته. ويعتبر حفيد شيخ الطريقة، سيدي حمزة بن العباس، في الحوار التالي، أن التصوف يعد وقاية ضد المظاهر الهدامة والأفكار المنحرفة ، لأنه يغرس في قلوب الناس البعد الجمالي والمقاربة التدريجية في استيعاب وفهم الأشياء بدون عنف ولا تشدد، أسوة بالرسول (صلى الله عليه وسلم). في ما يلي نص الحوار:
يلاحظ أن الطريقة القادرية البودشيشية وسعت مجالات اهتمامها وأنشطتها الاجتماعية، ما السبب؟
نحن في الطريقة نُبدع باستمرار أشكالا جديدة للتضامن وخدمة الصالح العام، فبالموازاة مع الأنشطة الاجتماعية المعتادة التي كانت الطريقة تقوم بها في أوقات سابقة، مثل تقديم خدمات طبية متنوعة، ومختلف أشكال التكافل الاجتماعي، مثل إطعام الطعام، وتقديم مختلف المساعدات للمحتاجين، ودعم أبناء الأسر الفقيرة في اقتناء اللوازم الدراسية، فإننا شرعنا لمناسبة احتفالات المولد النبوي للسنة الجارية (2014)، في القيام بأنشطة أخرى، مثل خدمات استشارية في مجال الطب النفسي، بهدف دعم الأسر والأشخاص في هذا المجال، وبالأخص من أجل الحفاظ على وحدة وتماسك الأسر وتجنيبها مخاطر التفكك والانهيار باعتبارها النواة الصلبة للمجتمع.
الجديد هذه السنة، كذلك، أننا ارتأينا أن نولي عناية خاصة لدورة تكوينية لفائدة جمعيات المجتمع المدني بالجهة الشرقية، لرفع قدراتها وطاقاتها لتأهيلها للقيام بعملها على نحو أكثر نجاعة وتطورا، خاصة في مجال تقنيات التواصل والاتصال، والتدبير والتسيير، واعتماد الحكامة في ما يخص الاقتصاد التضامني والاجتماعي والمساهمة في التنمية البشرية والتنمية المستدامة، وبالفعل، فقد حضر عدد مهم من الجمعيات والتعاونيات، وهو ما تم بشراكة مع عمالة بركان ووزارة الصناعة التقليدية والاقتصاد التضامني. الطريقة تؤهل مريديها لخدمة المجتمع والصالح العام.
تُبدون اهتماما متزايدا بالتمويلات الإسلامية، ما السبب؟
نهتم بقضايا التنمية المستدامة والاقتصاد التضامني، ومن بين مجالات اهتمامنا الاقتصاد الإسلامي بصفة خاصة الذي يرتكز على بعد أخلاقي بعيدا عن الغرر والربا، واقتسام المخاطر بين المشتركين في ما يتصل بالمشاريع والتمويلات الإسلامية. هذه الأخيرة أكدت نجاعتها خلال الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة، وأكدت بعدها الأخلاقي بالنظر إلى إمكانياتها وقدراتها على الإسهام في تطوير الاقتصاد الوطني والمساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو الهدف الذي نعمل من أجل تحقيقه، إضافة إلى مكونات أخرى داخل المجتمع المغربي، والتي تعمل لفائدة الصالح العام، ولدينا تطلع إلى نقل تجربتنا بفرنسا، حيث أنشأنا المجمع الأوربي المستقل للمالية الإسلامية وإنجاحها في المغرب.
"التصوف وبناء الإنسان نحو إصلاح متوازن"
ما هي دواعي اختيار "التصوف وبناء الإنسان: نحو إصلاح متوازن" شعارا للملتقى العالمي الثامن الذي نظمته الطريقة القادرية البودشيشية لمناسبة احتفالات المولد النبوي لهذه السنة؟
اختيار هذا الموضوع شعارا للملتقى، تحكم فيه هدف أساسي يتجلى في حتمية تحقيق التوازن المادي والروحي داخل الإنسان، إذ بدون هذا التوازن سيختل بناء الإنسان، وهو ما سينعكس حتما على المجتمع الذي سيختل توازنه. لابد للإصلاح من بعد أخلاقي وروحي باعتبار أن إصلاح المجتمع يقوم على إصلاح الفرد، وهذا الإصلاح لا بد له من بعد تربوي أخلاقي حتى يكون له المحتوى الإيجابي المراد،و يكون في منأى عن كل توجه أونزوع نحو الاستبداد والجشع والظلم والأنانية وحب السيطرة أو خدمة فئة معينة، لأن ما تبحث عنه الشعوب، وتتطلع إليه هو حرية وكرامة الإنسان، أما إذا غلب الهوى الإنسان وحب الرئاسة كغاية في حد ذاتها، وبقي سجين المصالح الشخصية والفردية، فإن الجدوى والغاية العليا من الإصلاح تكون منعدمة.
والمغرب من أسباب محافظته على استقراره الأمني وعدم اكتوائه بنار الحراك العربي هو محافظته، برعاية جلالة الملك، أمير المؤمنين، على هذا البعد الروحي الصوفي في هويته الدينية، ما حصن ويُحصن المجتمع من أي اختراق إيديولوجي وأفكار هدامة متطرفة. وشكلت التربية الروحية بهذا المفهوم أكبر حصانة ضد أي اختراق أو توجه نحو العنف أو الأرهاب.
إن التصوف وقاية ضد المظاهر الهدامة والأفكار المنحرفة، لأنه يغرس في قلوب الناس البعد الجمالي والمقاربة التدريجية في استيعاب و فهم الأشياء بدون عنف ولا تشدد، أسوة بالرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي بُعث، ليتمم مكارم الأخلاق وكان رحمة للعالمين، فمنهج الإسلام إصلاحي مقاصدي يُراعي دفع المفاسد وجلب المصالح، وهذا ما يحث عليه التصوف في بعده البيداغوجي، والطريقة القادرية البودشيشية على منهج شيخها الحاج حمزة بن العباس تعتمد هذه التربية الروحية (التحلي ثم التخلي)، وإصلاح القلب عن طريق الذكر وممارسة الشعائر الدينية، باعتماد اللين، قدوة برسول الله الذي قال إن المسلم لين هين كالسنبلة، يكون فيه شخصية الصوفي مثل الماء، يأخذ شكل الإناء الذي يوضع فيه. نحن في حاجة إلى هذا البعد الروحي، لكي نمنح عن الإسلام صورته الحقيقية خاصة بديار الغربة، فالإسلام معاملة وسلوك ومعاملة الآخر باللين وحسن الأدب حتى وإن كان من ديانة أخرى.
ما الذي يجعل الكثيرين من دعاة الحديث باسم الإسلام يعطون صورة سيئة عنه ليس فيها سوى العنف والقتل؟
هؤلاء لديهم نزوع نحو احتكار تملك الإسلام والنطق باسمه، وكل واحد منهم يظن أنه يتوفر على الأهلية للدعوة إلى الإسلام، ويعتقد أنه خير من يدافع عنه، ولذلك يسقط في العُجب والأنا والغلظة، رغم أن الإسلام دين المحبة والسلام، وهو في كنهه رحمة للعالمين.
هؤلاء يتناسون أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يستعمل اللين والحكمة حتى مع غير المسلم، وما يشير إليه الخطاب السماوي"ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك"، ويقول كذلك" ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم"، ثم هناك الآية الكريمة " لا إكراه في الدين".
إن حسن الأدب مع الخلق وحسن الظن بهم ومعاملتهم باللين والحسنى يوجد في صلب العقيدة الإسلامية "اتبع السيئة الحسنة تمحها".
الإسلام يركز كثيرا على الأخلاق والفضيلة ومعاشرة الناس والتواصل معهم، انطلاقا من قيم الانفتاح والتسامح وبالأخلاق الحميدة الفاضلة، وهذا هو دور التصوف، أي النزوع نحو إصلاح الفرد من الداخل حتى لا تتغلب عليه الغلظة والميل إلى التعصب في التواصل مع الآخر.
الطريقة أصبح لها صدى دولي ما الذي يفسر تزايد أعداد أتباع الطريقة القادرية البودشيشية؟
الطريقة تتوسع باستمرار، وأصبح لها صدى دولي، والحمد لله. ونعمل من أجل أن يتواصل هذا المنحى من حيث الانتشار والتنظيم المحكم المبني على قيم الحكمة والأخلاق، والبعد التربوي الذي يعد عاملا من عوامل نجاحها في عهد شيخها سيدي حمزة بن العباس، لما يتسم به من حكمة وإستراتيجية ربانية في السير مع الخلق وإدارة الأمور بعين ثاقبة ونظرة ربانية، وكل ما نراه من تجديد هو نتيجة غرسه ورعايته، لأن المريدين هم كتب الشيخ وثمرة تربيته يغرس في قلوبهم محبة خير البلاد والعباد والدفاع عن مقدسات الوطن.
الطريقة تتوسع باستمرار، وأصبح لها صدى دولي، والحمد لله. ونعمل من أجل أن يتواصل هذا المنحى من حيث الانتشار والتنظيم المحكم المبني على قيم الحكمة والأخلاق، والبعد التربوي الذي يعد عاملا من عوامل نجاحها في عهد شيخها سيدي حمزة بن العباس، لما يتسم به من حكمة وإستراتيجية ربانية في السير مع الخلق وإدارة الأمور بعين ثاقبة ونظرة ربانية، وكل ما نراه من تجديد هو نتيجة غرسه ورعايته، لأن المريدين هم كتب الشيخ وثمرة تربيته يغرس في قلوبهم محبة خير البلاد والعباد والدفاع عن مقدسات الوطن.
أجرى الحوار: جمال بورفيسي
جريدة الصباح