إن للشيخ صفات ومَرّ ذكرها (المرشد الناصح، المستقيم الصالح، العارف بالشريعة، السالك للطريقة، الذائق للحقيقة، الحكيم المتبصّر؛ الذي يُحسن سياسة النفوس وتهذيب الطِباع؛ كامل العقل)، مَرّ معنا أن المريد بحاجة إلى طلب الشيخ.. البحث عنه بصدق وإخلاص، الأصل أن الصادق في البحث عن الشيخ لا بد وأن يجمعه الله على الشيخ الذي يرشده، لهذا قال المربون: “عند التناصف ما ذهب إلاً الصدق ولو صدق المُريد لوجد الشيخ على باب بيته”، فإن وجد الإنسان من اجتمعت فيه هذه الصفات؛ إرث النبوة الكامل باستثناء الوحي والعصمة وخصوصية النبوة ..- ماذا يلزم من وجد الشيخ المربي؟
أولا: تصحيح النية، في الصلة بهذا الشيخ الأستاذ؛ أفهم ماذا أريد منه، أنا لا أبحث عن صنم عن كهنوت، أنا أبحث عن دالٍ يدلني على الله عزوجل، أيضاً أنا لا أبحث عن مظهر وصورة أتباهى بها أمام الناس، أبحث عمن يعينني على التربية والسير إلى الله عمن يبصرني بعيوبي وكيف أتخلص منها، وعمن يُبصرني بالصالحات من الأعمال والحسن من الصفات ويعينني على الأخذ بها، فبحثي عن الشيخ بحث عن سيري إلى الله..
ثانيا : نراعي الأدب مع الشيخ،ونرى كيف كان الصحابة يتأدبون مع المصطفى وكيف كان التابعون يتأدبون مع الصحابة وكيف كان تابع التابعين يتأدبون مع التابعين، وكيف كان الشافعي تذكرون يصفح الورق صفحاً رقيقاً حتى لا يُحدث صوتاً في حضرة مالك، هذه الآداب.. الأدب مع الشيخ مع الأستاذ هو جزء من تهذيب النفس أولاً ومن الإعتراف بالفضل لأهله ثانياً، أيضاً فائدة هذا الأدب أنه يعينك على أن تتقوى على نفسك لأن النفس من طبيعتها التمرد لا تحب أن يوجد من يوجهها إلى عمل الشيء ولهذا تريد أن ترفض بأي طريقة، فلهذا سَوْقها بالأدب تهذيب النفس ومَرّ اعاة الأدب مع من نأخذ عنه العلم مع من نتربى على يده له الأثر الكبير في تهيئة النفس لأن تواصل لأن تأخذ لأن تستفيد، أيضاً مع تصحيح النية ومع الأدب.
ثالثا : صدق المحبة، ووجه هذه المحبة، لماذا أحب الشيخ محبة كبيرة شديدة عظيمة؟ لأنه يدلني على الله فمحبتي له هي محبة في الله، من باب حبي لوصولي إلى الله وصلتي بالله أحب هذا الإنسان الذي يعينني على ذلك بإرشاده وتوجيهه.
رابعا : أن أدرك أن صلتي بهذا الإنسان صلة روح، ليست مجرد صلة جسد؛ ليست مجرد استماع أذن لكلام وأنصرف.. هي صلة روحية، مفاد هذه الصلة أن الشيخ هذا له صلة بشيخ قبله، والشيخ الذي قبله له صلة بشيخ قبله وهكذا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو نور ممتد من زمان إلى زمان إلى زمان إلى زماننا، مراعاة هذه الآداب مع أدب أساسي ..
خامسا : الصدق، أن أكون صادقاً معه فيما يسألني عنه فيما أخاطبه فيه فيما أخبره به فيما أستدل به على الله عزوجل من دلالته، فإن أمثال هذه الصفات مع الجد والاجتهاد في الطاعة في غير معصية الله؛ أطيع شيخي في تربية نفسي في الأمور المتعلقة بسياسة النفس في كل ما يأمرني به .
مشكلة الإدعاء في مسألة الدلالة على الله وتعريف الناس بطريق الله :
كثر الأدعياء الذين ليسوا بصادقين ليسوا بأهل للطريق أخذوا صورة في الدلالة على الله ولم يأخذوا حقيقتها، والسبب في انبهار الناس أو أن الناس ينغشون بأمثال هؤلاء الأدعياء أن البعض مفهوم المشيخة عنده غير واضح، مفهوم المشيخة عنده الرجل الذي يُجري الكرامات التي تحصل على يديه خوارق العادات، كلنا يؤمن بالكرامات والخوارق العادات وأهل السنة والجماعة يعتبرون إنكار الكرامة فسقاً.. خللاً.. بدعة في عقيدة الذي ينكر الكرامة، هذه ثابتة عند أهل السنة والجماعة بنص القرآن والسنة، قصة مريم (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً)، قصة جُريجر الراهب الذي اتـُهم بالباطل فخاطب الطفل الصغير فأنطق الله له الرضيع، الكرامة ثابتة، الصحابة كثرت عندهم الكرامات فكلنا نؤمن بها، لكنها ليست هي المقياس لمعرفة الصالح فحسب، الأساس في تمييز الصالح والدال على الله الإستقامة ولهذا قالوا: “الإستقامة أعظم كرامة“، قال الإمام الجنيد: “لو رأيتم الرجل يطير في السماء أو يمشي على الماء فلا تغتروا به حتى تقيسوه على الأمر والنهي -أي أمر الله ونهيه- فإن رأيتموه ممتثلاً لأمر الله منتهياً عما نهى عنه الله فهو ولي صديق وإلا فهو دَعيٌّ زنديق“، يمكن أن تـُخرَق العادة بسحر يمكن أن تـُخرَق العادة بجن يمكن أن تـُخرَق العادة بصورة فهلوة ليس حقيقية، لكن خـَرق العادة إذا صحت بالإستقامة نعم نعتبرها كرامة، لكن مقام الشيخ الذي يَدل على الله ويرشد لا يُقاس بكثرة الكرامات التي تـُجرى على يديه، يقول الإمام الجنيد: “مشى أقوامٌ باليقين على الماء، وماتَ أقوامٌ أعظمُ منهم يقيناً من شدةِ الظمأ“، فالمقياس هنا عُمق السير والإستقامة على مرضاة الله، الأكمل في متابعة سُنـّة الحبيب صلى الله عليه وسلم في التـَخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، الأعمق نظراً في مقاصد الشريعة، من كانت هذه صفاته لا شك نحن بحاجة لأن نأخذ عنه..