أيها المريد الصادق:
انف عن نفسك ما سواه لترتقي . فما دخل الحضرة إلا القلب النقي . فإذا ظفرت بالنقاوة . ذقت لذكر ربك حلاوة . إذا بقلبك حلت . لحلاوة غير العبادة عنك جلت فإذا جلت عنك الأغيار أزيلت عن قلبكك الأستار وهبطت عليه أنواع الأسرارعند كل نفس وحركة وقول وفعل . وحياك ابن الفارض رحمه الله بقوله:
ولاح سر خفي يدريه من كان مثلي فللشمس ضوء قبل الإشراق . وللتجلي سر قبل التلاق . فأكثر من قول "لا إله إلا الله" . لتعرف النفي والإثبات وتبدل منك الصفات بالصفات . فصفات نفسك حجاب قدسك . فمزقها بـ(لا إله إلا الله في كل لمحة ونفس عدد ما سمعه علم الله) لتكسى منن صفات سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واعلم يا أخي في الله أن الذكر ثقيل على النفس لنفاسته وسرعة هدايته ، ويحصل به أمران عظيمان عليهما مدار الإصلاح ، وهما عنوان الخير والفلاح :
الأول : تمزيق الصفات النفسية . وهو أثر قولك لا إله إلا الله.
والثاني : اتصافك بالصفات المحمدية . لأنه باب الله تعالى الموصل إلى حضرة الحب والقرب . قال سيدي أبيض الوجه البكري رضي الله تعالى عنه :"وأنت باب الله أي امرئ أتاه من غيرك لا يدخل"
واعلم أن أرض طريقنا هذا لا يسقى إلا بماء الدين الخالص "أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ" ولا يثمر شجره إلا الكلمة الطيبة التي تصل إلى السماء"أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ".
فما عبدناه سبحانه للدنيا التي هي كهشيم تذروه الرياح ، ولكن ابتغاء وجهه الكريم ، والتلذذ بقربه وحبه ومناجاته والتذلل بين يديه ، والإقبال عليه ، وشهوده.
فكيف اشتغلت بذكره وعبادته وما شغلك ؟
يقول ابن الفارض رحمه الله تعالى : فأصبح لي عن كل شغل بها شغل.
يعني الحضرة الإلهية ، والتجليات الربانية ، في مقام كشف الحجاب وإزالة الأسباب . وغيبة وحضور . وفرح وحبور وصفاء ونور . في مقام الفناء لدار الغرور . وصرف القلب عن الجنات والقصور . إلى ما هو أجل وأعلى "سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى" "يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ" وأي حسرة اشد من حسرة من فاته الإيمان . وغره الشيطان . وحرم من الطاعات واحتضن المخالفات . وحرم من لذة العبادة . وجعلها عنده كعادة وحرم من التخلي ومنع من التحلي . ولم يكن من أهل التجلي ؟! فإلى متى يا أخانا وأنت في سكرتك . مكبلاً بغفلتك . غرتك من طردناها وشغلتك من سلوناها ؟!