يشير القوم بالعلم اللدني إلى ما يحصل للعبد من غير واسطة ، بل بإلهام من الله ، وتعريف منه لعبده ، كما حصل للخضر عليه السلام بغير واسطةموسى ، قال الله تعالى : آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما .
وفرق بين الرحمة والعلم . وجعلهما من عنده ومن لدنه إذ لم ينلهما على يد بشر ، وكان من لدنه أخص وأقرب من عنده ولهذا قال تعالى : وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا فالسلطان النصير الذي من لدنه سبحانه : أخص وأقرب مما عنده . ولهذا قال تعالى واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا . وهو الذي أيده به . والذي من عنده : نصره بالمؤمنين ، كما قال تعالى هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين .
والعلم اللدني ثمرة العبودية والمتابعة ، والصدق مع الله ، والإخلاص له ، وبذل الجهد في تلقي العلم من مشكاة رسوله . وكمال الانقيادله . فيفتح له من فهم الكتاب والسنة بأمر يخصه به ، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه - وقد سئل هل خصكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء دون الناس ؟ - فقال : لا والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة . إلا فهما يؤتيه الله عبدا في كتابه .
فهذا هو العلم اللدني الحقيقي ، وأما علم من أعرض عن الكتاب والسنة ، ولم يتقيد بهما : فهو من لدن النفس والهوى ، والشيطان ، فهو لدني . لكن من لدن من ؟ وإنما يعرف كون العلم لدنيا رحمانيا : بموافقته لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل . فالعلم اللدني نوعان : لدني رحماني ، ولدني شيطاني بطناوي . والمحك : هو الوحي . ولا وحي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما قصة موسى مع الخضر عليهما السلام : فالتعلق بها في تجويز الاستغناء عن الوحي بالعلم اللدني إلحاد ، وكفر مخرج عن الإسلام ، موجب لإراقة الدم .
والفرق : أن موسى لم يكن مبعوثا إلى الخضر . ولم يكن الخضر مأمورا بمتابعته . ولو كان مأمورا بها لوجب عليه أن يهاجر إلى موسى ويكون معه . ولهذا قال له : أنت موسى نبي بني إسرائيل ؟ قال : نعم .
ومحمد صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى جميع الثقلين . فرسالته عامة للجن والإنس ، في كل زمان . ولو كان موسى وعيسى عليهما السلام حيين لكانا من أتباعه ، وإذا نزل عيسى ابن مريم عليهما السلام ، فإنما يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
فمن ادعى أنه مع محمد صلى الله عليه وسلم كالخضر مع موسى . أو جوز ذلك لأحد من الأمة : فليجدد إسلامه ، وليتشهد شهادة الحق . فإنه بذلك مفارق لدين الإسلام بالكلية . فضلا عن أن يكون من خاصة أولياء الله . وإنما هو من أولياء الشيطان وخلفائه ونوابه .
وهذا الموضع مقطع ومفرق بين زنادقة القوم ، وبين أهل الاستقامة منهم ، فحرك تره .
قوله : إسناده وجوده .
يعني : أن طريق هذا العلم : وجدانه ، كما أن طريق غيره : هو الإسناد .
وإدراكه عيانه . أي إن هذا العلم لا يؤخذ بالفكر والاستنباط ، وإنما يؤخذ عيانا وشهودا .
ونعته حكمه . يعني : أن نعوته لا يوصل إليها إلا به ، فهي قاصرة عنه ، يعني أن شاهده منه ، ودليل وجوده . وإنيته لميته ، فبرهان الإن فيه . هو برهان اللم . فهو الدليل . وهو المدلول . ولذلك لم يكن بينه وبين الغيوب حجاب . بخلاف ما دونه من العلوم . فإن بينه وبين العلوم حجابا .
والذي يشير إليه القوم : هو نور من جناب المشهود . يمحو قوى الحواس وأحكامها . ويقوم لصاحبها مقامها . فهو المشهود بنوره ، ويفنى ما سواه بظهوره ، وهذا عندهم معنى الأثر الإلهي فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، فبي يسمع . وبي يبصر .
والعلم اللدني الرحماني : هو ثمرة هذه الموافقة ، والمحبة التي أوجبها التقرب بالنوافل بعد الفرائض .
واللدني الشيطاني : ثمرة الإعراض عن الوحي ، وتحكيم الهوى والشيطان . والله المستعان .