الإشارة : العلماء على قسمين : علماء بأحكام الله ، وعلماء بالله ، العلماء بالأحكام يخشون غضبه وعقابه ، والعلماء بالله يخشون إبعاده واحتجابه ، العلماء بالأحكام يتقون مواطن الآثام ، والعلماء بالله يتقون سوء الأدب في حضرة الملك العلام . فخشية العلماء بالله أرق وأشد . العلماء بالله أخذوا علمهم من الله ، والعلماء بالأحكام أخذوا علمهم عن الأموات .
قال الشيخ أبو يزيد رضي الله عنه : في علماء أهل الرواية : مساكين أخذوا علمهم ميت عن ميت ، وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت .
والفرق بين الخوف والرهبة والخشية : أن الخوف من العقاب ، والرهبة من العتاب ، والخشية من الإبعاد . قال القشيري :" والفرق بين الخشية والرهبة : أن الرهبة : خوف يوجب هرب صاحبه ، فيجري في تفرقته . والخشية إذا حصلت كبحت صاحبها ، فيبقى مع الله ". فقدمت الخشية على الرهبة في الجملة ، والخوف قضية الإيمان ، قال تعالى : { وخافون إن كنتم مؤمنين } [ آل عمران : 175 ] . والخشية قضية العلم والهيبة . ثم قال : العالم يخاف تقصيره في حق ربه ، والعارف يخشى من سوء أدبه وترك احترام ، وانبساط في غير وقت ، بإطلاق لفظ ، أو ترخيص بترك الأولى .
قال الورتجبي :" الخوف عموم ، والخشية خصوص" . وقد قرن سبحانه الخشية بالعلم ، أي : العلم بالله وجلاله وقدره وربوبيته وعبوديته له . وحقيقة الخشية : وقوع إجلال الحق في قلوب العارفين ، ممزوجا بسنا التعظيم ، ورؤية الكبرياء والعظمة ، ولا يحصل ذلك إلا لمن شاهد القدم ، والأزل ، والبقاء ، والأبد ، فمن زاد علمه بالله زاد خشية ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « أنا أعرفكم بالله وأخشاكم منه ». وفي الحديث : قيل يا رسول الله : أي الأعمال أفضل؟ قال : « العلم » قيل : أي العلم؟ قال : « العلم بالله سبحانه » وقال صلى الله عليه وسلم : « ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه؟ والله إني لأعلمكم بالله ، وأشدكم له خشية » .
عن جعفر الصادق : "العلم أمر ترك الحرمة في العبادات ، وترك الحرمة في الحياء من الحق ، وترك الحرمة في متابعة الرسول ، وترك الحرمة في خدمة الأولياء الصديقين ". ومعنى كلامه : أن العلم الحقيقي هو الذي يأمن صاحبه من انتهاك حرمة العبادات ، ومن هتك حرمة الاحتشام من الله ورسوله وأوليائه . ومن أراد من العلماء السلامة من الاغترار بالعلم فليطالع شرح ابن عباد ، في قول الحكم : « العلم إن قارنته الخشية فلك ، وإلا ، فعليك » . وبالله التوفيق .
البحر المديد