قال شارح رسالة عهد ابن سبعين لتلاميذه:
لمّا كانت الشرائع مقدمات علميات و عمليات، و علمها يفيد معرفة وظائفها،و العمل بوظائفها يزيل الحظوظ النفسانية، و يميت الشهوات البدنية، و يقطع الروابط العادية، و يجرد الإنسانية، و يكشف الحضرة الرحمانية: و هي حضرة الحق، و حضرة الحق هي الحضرة الجامعة لحقائق الأكوان، و هي بد كل شيء و وجوده، و هي الماهية التي توجد فيها كل ماهية من حيث التقويم و التتميم، قال: فيها نتيجة الشرائع .
و نقول: علم الشريعة مقدمة العمل بوظائفها، و العمل بوظائفها مقدمة لرضوان اللّه يقيم العبد في حضرته، فعلم الشريعة، و العمل بها يقيم العبد في حضرته، فحضرته هي نتيجة الشرائع، و حضرته فيها كل شي ء، فهي الحقيقة الجامعة .
و نقول: الشريعة تحمل لرضوان اللّه، و رضوانه صفته، و الصفة لا تفارق الموصوف، و الموصوف: هو اللّه، فالشريعة تحمل إلى اللّه فاللّه هو نتيجة الشرائع بالوجه الذي ذكرنا.
و نقول: الأعمال الشرعية إذا عمل بها على التمام تفيد التخلق بالأسماء الحسنى، و المتخلق بالأسماء إذا تجوهر بها تكون الأسماء ذاته و روحه، و الأسماء صفات اللّه، و صفاته غير زائدة على ذاته، فالمتخلق بالأسماء ليس بزائد على ذات اللّه، فالظفر بالحق و الاتصال به هو نتيجة الشرائع.
و نقول: أول وظيفة من وظائف الشريعة هي كلمة لا اله إلا اللّه، و تتضمن أن لا فاعل إلا اللّه، فكل موجود في الكون اللّه أوجده من حيث هو فاعله، و الفاعل لا يفارق مفعوله، و هو معه بالإيجاد و الإبقاء، و لا وجود للشي ء إلا به، فهو الأصل الضروري في وجود كل شي ء، و لكل شي ء حقيقة، و هو وجوده الذي هو به ما هو، و وجود كل شيء الذي هو به ما هو هو، به و منه و عنه و إليه، هو حقيقة كل شي ء و ماهيته و وجوده فاللّه: هو الحقيقة الجامعة، كما تقدم...
فإذا كان هو حقيقة كل شي ء، فالأشياء كلها هي به على ما هي عليه، فهو الحقيقة الموجودة في كل حقيقة، و هو الذات المستحقة بذاتها لكل ذات، فهو مع كل شي ء بوجوده، فلا غيبة و لا حجاب، و الغيبة و الحجاب هو الجهل بهذا الاتصال و الاستحقاق الذي ذكرناه، و الغفلة عن ملاحظته و شهوده في كل شي ء، بل شهوده و لا شي ء معه .
و علم الشريعة يزيل الجهل المذكور، و وظائفها ترفع الغفلة، و تنبه على الحضور مع الحاضر في كل حضور، فالحق هو نتيجة الشرائع، و علوم الشريعة بهذا الوجه هي علوم التحقيق، فاعلم ذلك .
فإذا حقيقة لا اله إلا اللّه: أن لا موجود إلا هو، و ما خلا اللّه باطل، و الوهم يشعر بغيره، و الوظائف الشرعية تذكر باللّه، و ذكره يزيل الوهم، و يمحو خبر الغيرية، و يقيم العبد في الحضرة الحاضرة في حضوره، فالحق نتيجة الشرائع كما قال، و هذا الكلام في نتيجة الشرائع، و الحقيقة الجامعة، و علوم التحقيق قد تخلص، فافهمه