الإشارة: العز على قسمين: عز الظاهر، وعز الباطن، فعز الظاهر هو تعظيم الجاه وبُعد الصيت، واحترام الناس لصاحبه، ولمَن تعلّق به، وسببه: التقوى، والعلم، والعمل، ومكارم الأخلاق؛ كالسخاء، والتواضع، وحسن الخلق، والإحسان إلى عباد الله.
وعز الباطن: هو الغنى بالله، وبمعرفته، والتحرُّر من رق الطمع، والتحلّي بحلية الورع. وسببه الذل لله، يُظهر ذلك بين أقرانه، كما قال الشاعر:
تذلَّلْ لمَن تَهْوَى لِتَكْسِبَ عِزةً
فكم عزةٍ نالها المرء بالذُّلِّ
إذا كان مَن تَهْوى عزيزاً ولم تكن
ذليلاً له فاقْرِ السلامَ على الوَصْلِ
وغايته: الوصول إلى معرفة الشهود والعيان. فإذا تعزّز القلب بالله لم يلتفت إلى شيء، ولم يفتقر إلى شيء، وكان حرًّا من كل شيء، عبداً لله في كل شيء. وقد يجتمع للعبد العزان معاً، إذا كان عارفاً بالله عاملاً، وقد ينفرد عز الظاهر في أهل الظاهر، وينفرد عز الباطن في بعض أهل الباطن، يتركهم تحت أستار الخمول، حتى يلقوه وهم عرائس الأولياء، ضنّ بهم الحق تعالى عن خلقه، فلم يُظهرهم لأحد، حتى قدموا عليه، وهم الأولياء الأخفياء الأتقياء، كما ورد مدحهم في الحديث. وكلا العزين لله، وبيد الله، فلا يُطلب واحد منهما إلا منه سبحانه.
تفسير ابن عجيبة