آخر الأخبار

جاري التحميل ...

النمط التاسع في مقامات العارفين‌ ابن سينا

تنبيه في أن للعارفين درجات‌

إن للعارفين مقامات و درجات يخصون بها و هم في حياتهم الدنيا دون غيرهم.
فكأنهم و هم في جلابيب من أبدانهم قد نضوها و تجردوا عنها إلى عالم القدس و لهم أمور خفية فيهم و أمور ظاهرة عنهم. يستنكرها من ينكرها و يستكبرها من يعرفها. و نحن نقصها عليك.
و إذا قرع سمعك فيما يقرعه و سرد عليك فيما تسمعه قصة لسلامان و أبسال.
فاعلم أن سلامان مثل ضرب لك، و أن أبسالا مثل ضرب لدرجتك في العرفان إن كنت من أهله. ثم حل الرمز إن أطقت.

تنبيه في ذكر أحوال طلاب باعتبار الاعراض‌

المعرض عن متاع الدنيا و طيباتها يخص باسم الزاهد، و المواظب على فعل العبادات من القيام و الصيام و نحوهما يخص باسم العابد، و المتصرف بفكره إلى قدس الجبروت مستديما لشروق نور الحق في سره يخص باسم العارف. و قد يتركب بعض هذه مع بعض.

تنبيه في تمييز ما للعارف من الزهد و العبادة

الزهد عند غير العارف معاملة ما كأنه يشتري بمتاع الدنيا متاع الآخرة، و عند العارف تنزه ما عما يشغل سره عن الحق، و تكبر على كل شي‌ء غير الحق. و العبادة عند غير العارف معاملة ما كأنه يعمل في الدنيا لأجرة يأخذها في الآخرة هي الأجر و الثواب، و عند العارف رياضة ما لهممه أو قوى نفسه المتوهمة و المتخيلة ليجرها بالتعويد عن جناب الغرور إلى جناب الحق فتصير مسالمة للسر الباطن حينما يستجلي الحق لا ينازعه فيخلص السر إلى الشروق الساطع و يصير ذلك ملكة مستقرة كلما شاء السر اطلع إلى نور الحق غير مزاحم من الهمم بل مع تشييع منها له فيكون بكليته منخرطا في سلك القدس.

إشارة في إثبات النبوة و الشريعة

لما لم يكن الإنسان بحيث يستقل وحده بأمر نفسه لا بمشاركة آخر من بني جنسه، و بمعاوضة و معارضة تجريان بينهما يفرغ كل واحد منهما لصاحبه عن مهم لو تولاه بنفسه لازدحم على الواحد كثير، و كان مما يتعسر إن أمكن وجب أن يكون بين الناس معاملة و عدل يحفظه شرع يفرضه شارع متميز باستحقاق الطاعة لاختصاصه بآيات تدل على أنها من عند ربه، و وجب أن يكون للمحسن و المسي‌ء جزاء من عند القدير الخبير.
فوجب معرفة المجازي و الشارع. و مع المعرفة سبب حافظ للمعرفة ففرضت عليهم العبادة المذكرة للمعبود، و كررت عليهم ليستحفظ التذكير بالتكرير حتى استمرت الدعوة إلى العدل المقيم لحياة النوع، ثم زيد لمستعمليها بعد النفع العظيم في الدنيا الأجر الجزيل في الأخرى، ثم زيد للعارفين من مستعمليها المنفعة التي خصوا بها فيما هم مولون وجوههم شطره. فانظر إلى الحكمة، ثم إلى الرحمة و النعمة تلحظ جنابا تبهرك عجائبه، ثم أقم و استقم.

إشارة إلى غرض العارف من الزهد و العبادة

العارف يريد الحق الأول لا لشي‌ء غيره، و لا يؤثر شيئا على عرفانه، و تعبده له فقط و لأنه مستحق للعباد و لأنها نسبة شريفة إليه لا لرغبة أو رهبة. و إن كانتا فيكون المرغوب فيه أو المرهوب عنه هو الداعي و فيه المطلوب، و يكون الحق ليس الغاية بل الواسطة إلى شي‌ء غيره هو الغاية و هو المطلوب دونه.


الإشارات و التنبيهات : ابن سينا

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية