آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قال تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ.

قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ). العنكبوت الاية 45

يقول الحق جل جلاله : { اتل ما أوحي إليك من الكتاب } ؛ تنعما بشهود أسرار معانيه ، وبشهود المتكلم به ، فتغيب عن كل ما سواه ، واستكشافا لحقائقه ، فإن القارئ المتأمل قد ينكشف له بالتكرار ما لم ينكشف له أول ما قرع سمعه . وقد كان من السلف من يبقى في السورة يكررها أياما ، وفي الآية يرددها ليلة وأكثر ، كلما رددها ظهر له معان أخر .
{ وأقم الصلاة } أي : دم على إقامتها ، بإتقانها؛ فعلا وحضورا وخشوعا ، { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء } ؛ الفعلة القبيحة؛ كالزنى ، والشرب ، ونحوهما ، { والمنكر } ، وهو ما ينكره الشرع والعقل . ولا شك أن الصلاة ، إذا صحبها الخشوع والهيبة في الباطن ، والإتقان في الظاهر ، نهت صاحبها عن المنكر ، لا محالة ، وإلا فلا .
روي أن فتى من الأنصار كان يصلي مع رسول الله الصلوات ، ولا يدع شيئا من الفواحش إلا ركبه ، فوصف حاله له صلى الله عليه وسلم فقال : « إن صلاته تنهاه » ، فلم يلبث أن تاب .
وأما من كان يصليها فلم تنهه؛ فهو دليل عدم قبولها ، ففي الحديث : « من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا » رواه الطبراني . وقال الحسن : من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فليست بصلاة ، وهي بال عليه . وقال ابن عوف : إن الصلاة تنهى؛ إذا كنت فيها فأنت في معروف وطاعة ، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر فخص النهي بكونه ما دام فيها ، وعليه حمله المحلي .

قال المحشي : يعني : أن من شأنها ذلك ، وإن لم يحصل ذلك فلا تخرج عن كونها صلاة ، كما أن من شأن الإيمان التوكل ، وإن قدر أن أحدا من المؤمنين لا يتوكل؛ فلا يخرج ذلك عن الإيمان . وقيل : الصلاة الحقيقية : ما تكون لصاحبها ناهية عن ذلك ، وإن لم ينته فالصلاة ناهية على معنى : ورود الزواجر على قلبه ، ولكنه أصر ولم يطع . ويقال : بل الصلاة الحقيقية ما تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر ، فإن كان ، وإلا فصورة الصلاة لا حقيقتها .

وقال ابن عطية : إذا وقعت على ما ينبغي؛ من الخشوع ، والإخبات لذكر عظمة الله ، والوقوف بين يديه ، انتهى عن الفحشاء والمنكر ، وأما من كانت صلاته لا ذكر فيها ولا خشوع ، فتلك تترك صاحبها بمنزلته حيث كان . 

الإشارة : الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر المتعلقين بالجوارح الظاهرة ، والذكر ينهى عن الفحشاء والمنكر والمتعلقين بالعوالم الباطنة ، وهي المساوئ التي تحجب العبد عن حضرة الغيوب فإذا أكثر العبد من ذكر الله ، على نعت الحضور والتفرغ من الشواغل ، تنور قلبه ، وتطهر سره ولبه ، فاتصف بأوصاف الكمال ، وزالت عن جميع العلل ، ولذلك جعلته الصوفية معتمد أعمالهم ، والتزموه مع مرور أوقاتهم وأنفاسهم ، ولم يقتنعوا منه بقليل ولا كثير ، بل قاموا بالجد والتشمير ، فيذكرون أولا بلسانهم وقلوبهم ، ثم بقلوبهم فقط ، ثم بأرواحهم وأسرارهم فيغيبون حينئذ في شهود المذكور عن وجودهم وعن ذكرهم ، وفي هذا المقام ينقطع ذكر اللسان ، ويصير العبد محوا في وجود العيان ، فتكون عبادتهم كلها فكرة وعبرة ، وشهودا ونظرة ، وهو مقام العيان في منزل الإحسان ، فيكون ذكر اللسان عندهم بطالة.

قال القشيري : ويقال : ذكر الله أكبر من أن يبقى معه ذكر مخلوق أو معلوم للعبد ، فضلا أن يبقى معه للفحشاء والمنكر سلطان . ه . وقال في القوت على هذه الآية : الذكر عند الذاكرين : المشاهدة ، فمشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة . هذا أحد الوجهين في الآية : ثم قال : وروي في معنى الآية؛ عن رسول لله صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إنما فرضت الصلاة ، وأمر بالحج والطواف ، وأشعرت المناسك ، لإقامة ذكر الله - عز وجل - » قال تعالى : { وأقم الصلاة لذكري } [ طه : 14 ] ، أي : لتذكرني فيها . ثم قال : فإذا لم يكن في قلبك للمذكور ، الذي هو المقصود والمبتغى ، عظمة ولا هيبة ، ولا إجلال مقام ، ولا حلاوة فهم ، فما قيمة ذكرك فإنما صلاتك كعمل من أعمال دنياك . وقد جعل الرسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة قسما من اقسام الدنيا ، إذ كان المصلي على مقام من الهوى ، فقال : « حبب إلي من دنياكم . . » ذكر منها الصلاة ، فهي دنيا لمن كان همه الدنيا ، وهي آخرة لأبناء الآخرة ، وهي صلة ومواصلة لأهل الله - عز وجل- ، وإنما سميت الصلاة؛ لأنها صلة بين الله وعبده ، ولا تكون المواصلة إلا لتقي ، ولا يكون التقي إلا خاشعا ، فعند هذا لا يعظم عليه طول القيام ، ولا يكبر عليه الانتهاء عن المنكر كما قال الله : { إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر } .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية