أهل الله هم ورثة الأنبياء في العلم والهدى والحكمة
فلا نشك أن أهل الله هم ورثة الرسل عليهم السلام والله يقول في حق الرسول:" وعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ" وقال في حق عيسى ويُعَلِّمُهُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ والتَّوْراةَ والْإِنْجِيلَ وقال في حق خضر صاحب موسى عليه السلام وعَلَّمْناهُ من لَدُنَّا عِلْماً فصدق علماء الرسوم عندنا فيما قالوا إن العلم لا يكون إلا بالتعلم وأخطئوا في اعتقادهم إن الله لا يعلم من ليس بنبي ولا رسول يقول الله يُؤْتِي الْحِكْمَةَ من يَشاءُ وهي العلم وجاء بمن وهي نكرة ولكن علماء الرسوم لما آثروا الدنيا على الآخرة وآثروا جانب الخلق على جانب الحق وتعودوا أخذ العلم من الكتب ومن أفواه الرجال الذين من جنسهم ورأوا في زعمهم أنهم من أهل الله بما علموا وامتازوا به عن العامة حجبهم ذلك عن إن يعلموا أن لله عبادا تولى الله تعليمهم في سرائرهم بما أنزله في كتبه وعلى ألسنة رسله وهو العلم الصحيح عن العالم المعلم الذي لا يشك مؤمن في كمال علمه ولا غير مؤمن فإن الذين قالوا إن الله لا يعلم الجزئيات ما أرادوا نفي العلم عنه بها وإنما قصدوا بذلك أنه تعالى لا يتجدد له علم بشيء بل علمها مندرجة في علمه
بالكليات فأثبتوا له العلم سبحانه مع كونهم غير مؤمنين وقصدوا تنزيهه سبحانه في ذلك وإن أخطئوا في التعبير عن ذلك فتولى الله بعنايته لبعض عباده تعليمهم بنفسه بإلهامه وإفهامه إياهم فألهمها فجورها وتقواها في أثر قوله ونَفْسٍ وما سَوَّاها فبين لها الفجور من التقوى إلهاما من الله لها لتجتنب الفجور وتعمل بالتقوى.
تنزيل الكتاب على الأنبياء وتنزيل الفهم على قلوب الأولياء
كما كان أصل تنزيل الكتاب من الله على أنبيائه كان تنزيل الفهم من الله على قلوب بعض المؤمنين به فالأنبياء عليهم السلام ما قالت على الله ما لم يقل لها ولا أخرجت ذلك من نفوسها ولا من أفكارها ولا تعملت فيه بل جاءت به من عند الله كما قال تعالى تَنْزِيلٌ من حَكِيمٍ حَمِيدٍ وقال فيه إنه لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ من بَيْنِ يَدَيْهِ ولا من خَلْفِهِ وإذا كان الأصل المتكلم فيه من عند الله لا من فكر الإنسان ورويته وعلماء الرسوم يعلمون ذلك فينبغي إن يكون أهل الله العاملون به أحق بشرحه وبيان ما أنزل الله فيه من علماء الرسوم فيكون شرحه أيضا تنزيلا من عند الله على قلوب أهل الله كما كان الأصل وكذا
قال الامام علي بن أبي طالب رضي الله عنه في هذا الباب: ما هو الا فهم يؤتيه الله من شاء من عباده في هذا القرآن.
فجعل ذلك عطاء من الله يعبر عن ذلك العطاء بالفهم عن الله فأهل الله أولى به من غيرهم.
الدولة في الحياة الدنيا لأهل الظاهر من علماء الرسوم
فلما رأى أهل الله أن الله قد جعل الدولة في الحياة الدنيا لأهل الظاهر من علماء الرسوم وأعطاهم التحكم في الخلق بما يفتون به وألحقهم بالذين يَعْلَمُونَ ظاهِراً من الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ وهُمْ في إنكارهم على أهل الله يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً سلم أهل الله لهم أحوالهم لأنهم علموا من أين تكلموا وصانوا عنهم أنفسهم بتسميتهم الحقائق إشارات فإن علماء الرسوم لا ينكرون الإشارات فإذا كان في غد يوم القيامة يكون الأمر في الكل كما قال القائل:
سوف ترى إذا انجلى الغبار *** أ فرس تحتك أم حمار
كما يتميز المحقق من أهل الله من المدعي في الأهلية غدا يوم القيامة قال بعضهم:
إذا اشتبكت دموع في خدود *** تبين من بكى ممن تباكى
أين عالم الرسوم من قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين أخبر عن نفسه أنه لو تكلم في الفاتحة من القرآن لحمل منها سبعين وقرا هل هذا إلا من الفهم الذي أعطاه الله في القرآن فاسم الفقيه أولى بهذه الطائفة من صاحب علم الرسوم فإن الله يقول فيهم:( لِيَتَفَقَّهُوا في الدِّينِ ولِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ )فأقامهم مقام الرسول في التفقه في الدين والإنذار وهو الذي يدعو إِلَى الله عَلى بَصِيرَةٍ كما يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة لا على غلبة ظن كما يحكم عالم الرسوم فشتان بين من هو فيما يفتي به ويقوله على بصيرة منه في دعائه إلى الله وهو عَلى بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ وبين من يفتي في دين الله بغلبة ظنه.
العلم المأخوذ عن الميت والعلم المأخوذ عن الحي الذي لا يموت.
ثم إن من شأن عالم الرسوم في الذب عن نفسه إنه يجهل من يقول: فهمني ربي ويرى أنه أفضل منه وأنه صاحب العلم إذ يقول من هو من أهل الله إن الله ألقى في سرى مراده بهذا الحكم في هذه الآية أو يقول رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في واقعتي فأعلمني بصحة هذا الخبر المروي عنه وبحكمه عنده قال أبو يزيد البسطامي رضي الله عنه في هذا المقام وصحته يخاطب علماء الرسوم: أخذتم علمكم ميتا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت يقول أمثالنا حدثني قلبي عن ربي وأنتم تقولون حدثني فلان وأين هو قالوا مات عن فلان وأين هو قالوا مات وكان الشيخ أبو مدين رحمه الله إذا قيل له: قال فلان عن فلان عن فلان يقول ما نريد نأكل قديدا هاتوا ائتوني بلحم طري. يرفع همم أصحابه هذا قول فلان أي شيء قلت أنت ما خصك الله به من عطاياه من علمه اللدني أي حدثوا عن ربكم واتركوا فلانا وفلانا فإن أولئك أكلوه لحما طريا والواهب لم يمت وهو أقرب إليكم من حَبْلِ الْوَرِيدِ.
الفيض الإلهي دائم والمبشرات جزء من أجزاء النبوة
والفيض الإلهي والمبشرات ما سد بابها وهي من أجزاء النبوة والطريق واضحة والباب مفتوح والعمل مشروع والله يهرول لتلقى من أتى إليه يسعى وما يَكُونُ من نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وهُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا فمن كان معك بهذه المثابة من القرب مع دعواك العلم بذلك والايمان به لم تترك الأخذ عنه والحديث معه وتأخذ عن غيره ولا تأخذ عنه فتكون حديث عهد بربك يكون المطر فوق رتبتك حيث برز إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه حين نزل وحسر عن رأسه حتى أصابه الماء فقيل له في ذلك فقال إنه حديث عهد بربه تعليما لنا وتنبيها.
الفتوحات المكية