آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قوله تعالى : ولمآ جآء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك.

قوله تعالى :  ولمآ جآء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك.

قوله جل ذكره : { ولمآ جآء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرنى أنظر إليك قال لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف ترانى فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا } .

جاء موسى مجيء المشتاقين مجيء المهيمين ، جاء موسى بلا موسى ، جاء موسى ولم يبق من موسى شيء لموسى . آلاف الرجال قطعوا مسافات طويلة فلم يذكرهم أحد ، وهذا موسى خطا خطوات فإلى القيامة يقرأ الصبيان:{ ولما جاء موسى } .
ويقال لما جاء موسى لميقات باسط الحق - سبحانه - سقط بسماع الخطاب ، فلم يتمالك حتى قال : { أرنى أنظر إليك } ، فإن غلبات الوجد عليه استنطقته بطلب كمال الوصلة من الشهود ، وكذا قالوا :
وأبرح ما يكون الشوق يوما ... إذا دنت الخيام من الخيام
ويقال صار موسى - عليه السلام - عند سماع الخطاب بعين السكر فنطق ما نطق ، والسكران لا يؤخذ بقوله ، ألا ترى أنه ليس في نص الكتاب معه عتاب بحرف؟
ويقال أخذته عزة السماع فخرج لسانه عن طاعته جريا على مقتضى ما صحبه من الأريحية وبسط الوصلة .
ويقال جمع موسى - عليه السلام - كلمات كثيرة يتكلم بها في تلك الحالة؛ فإن في القصص أنه كان يتحمل في أيام الوعد كلمات الحق ، ويقول لمعارفه : ألكم حاجة إلى الله؟ ألكم كلام معه؟ فإني أريد أن أمضي إلى مناجاته .
ثم إنه لما جاء وسمع الخطاب لم يذكر - مما دبره في نفسه ، وتحمله من قومه ، وجمعه في قلبه - شيئا لا حرفا ، بل نطق بما صار في الوقت غالبا على قلبه ، فقال : { رب أرنى أنظر إليك } وفي معناه أنشدوا :
فيا ليل كم من حاجة لي مهمة ... إذا جئتكم ليلى فلم أدر ماهيا
ويقال أشد الخلق شوقا إلى الحبيب أقربهم من الحبيب؛ هذا موسى عليه السلام ، وكان عريق الوصلة ، واقفا في محل المناجاة ، محدقة به سجوف التولي ، غالبة عليه بواده الوجود ، ثم في عين ذلك كان يقول : { رب أرنى أنظر إليك } كأنه غائب عن الحقيقة . ولكن ما ازداد القوم شربا إلا ازدادوا عطشا ، ولا ازدادوا تيما إلا ازدادوا شوقا ، لأنه لا سبيل إلى الوصلة إلا بالكمال ، والحق - سبحانه - يصون أسرار أصفيائه عن مداخلة الملال .
ويقال نطق موسى عليه السلام بلسان الافتقار فقال { رب أرنى أنظر إليك } ولا أقل من نظرة - والعبد قتيل هذه القصة - فقوبل بالرد ، وقيل له : { لن ترانى } وكذا قهر الأحباب ولذا قال قائلهم :
جور الهوى أحسن من عدله ... وبخله أظرف من بذله
ويقال لما صرح بسؤال الرؤية ، وجهر صريحا رد صريحا فقيل له : { لن ترانى } ، ولما قال نبينا - صلى الله عليه وسلم - بسره في هذا الباب ، وأشار إلى السماء منتظرا الرد والجواب من حيث الرمز نزل قوله تعالى :
{ قد نرى تقلب وجهك فى السماء فلنولينك قبلة ترضاها } [ البقرة : 144 ] فرده إلى شهود الجهات والأطلال إشارة إلى أنه أعز من أن يطمح إلى شهوده - اليوم - طرف ، بل الألحاظ مصروفة موقوفة - اليوم - على الأغيار .
ويقال لما سمت همته إلى أسنى المطالب - وهي الرؤية - قوبل « بلن ، ولما رجع إلى الخلق وقال للخضر { هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا } [ الكهف : 66 ] ، قال الخضر : { إنك لن تستطيع معى صبرا } [ الكهف : 67 ] فقابله بلن ، فصار الرد موقوفا على موسى - عليه السلام من الحق ومن الخلق ، ليكون موسى بلا موسى ، ويكون موسى صافيا عن كل نصيب لموسى من موسى ، وفي قريب منه أنشدوا :
( . . . . . . ) نحن أهل منازل ... أبدا غراب البين فينا ينعق
ويقال طلب موسى الرؤية وهو بوصف التفرقة فقال : { رب أرنى أنظر إليك } فأجيب بلن لأن عين الجمع أتم من عين الفرق . فزع موسى حتى خر صعقا ، والجبل صار دكا . ثم الروح بعد وقوع الصعقة على القالب مكاشفته بما هو حقائق الأحدية ، ويكون الحق - بعد امتحاء معالم موسى - خيرا لموسى من بقاء موسى لموسى ، فعلى الحقيقة : شهود الحقائق بالحق أتم من بقاء الخلق بالخلق ، كذا قال قائلهم :
ولوجهها من وجهها قمر ... ولعينها من عينها كحل
ويقال البلاء الذي ورد على موسى بقوله : { فإن استقر مكانه فسوف ترانى } { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا } أتم وأعظم منه قوله : { لن ترانى } لأن ذلك صريح في الرد ، وفي اليأس راحة . لكنه لما قال فسوف أطمعه فيما منعه فلما اشتد موقفه جعل الجبل دكا ، وكان قادرا على إمساك الجبل ، لكنه قهر الأحباب الذي به جرت سنتهم .
ويقال في قوله : { انظر إلى الجبل } بلاء شديد لموسى لأنه نفي عن رؤية مقصوده ومني برؤية الجبل ، ولو أذن أن يغمض جفنه فلا ينظر إلى شيء بعدما بقي عن مراده من رؤيته لكان الأمر أسهل عليه ، ولكنه قال له : { لن ترانى ولكن انظر إلى الجبل } .
ثم أشد من ذلك أنه أعطى الجبل التجلي؛ فالجبل رآه وموسى لم يره ، ثم أمر موسى بالنظر إلى الجبل الذي قدم عليه في هذا السؤال ، وهذا - والله - لصعب شديد!! ولكن موسى لم ينازع ، ولم يقل أنا أريد النظر إليك فإذا لم أرك لا أنظر إلى غيرك بل قال : لا أرفع بصري عما أمرتني بأن أنظر إليه ، وفي معناه أنشدوا :
أريد وصاله ويريد هجري ... فأترك ما أريد لما يريد
ويقال بل الحق سبحانه أراد بقوله :{ ولكن انظر إلى الجبل} تداركه قلب موسى - عليه السلام - حيث لم يترك على صريح الرد بل علله برفق كما قيل :
فذريني أفني قليلا قليلا ... ويقال لما رد موسى إلى حال الصحو وأفاق رجع إلى رأس الأمر فقال : { تبت إليك } يعني إن لم تكن الرؤية هي غاية المرتبة فلا أقل من التوبة ، فقبله - تعالى - لسمو همته إلى الرتبة العلية .
قوله جل ذكره : { تبت إليك } .
هذه إناخة بعقوة العبودية ، وشرط الإنصاف ألا تبرح محل الخدمة وإن حيل بينك وبين وجود القربة؛ لأن القربة حظ نفسك ، والخدمة حق ربك وهي تتم بألا تكون بحظ نفسك .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية