يقول سيدي حمزة بن العباس: من أراد صلاح الدنيا فعليه بذكر الله كثيرا ، ومن رغب في فلاح الآخرة فعليه بذكر الله ، ولا يصلح الفقير إلا ذكر السر.
ويقول ايضا:عليكم بذكر الله كثيرا واقصدوا به وجه الله ، لا حظوظ الدنيا ولا حقوق الآخرة تنالوا رضا الله ومن نال رضا الله ، نال مبتغاه.
يقول سيدي أحمد بن عجيبة : "الذكر: إذا أطلق ينصرف لذكر اللسان، وهو ركن قوي في طريق الوصول، وهو منشور الولاية، فمن ألهم الذكر فقد أعطي المنشور، ومن سلب الذكر فقد عزل، فذكر العامة باللسان، وذكر الخاصة بالجنان، وذكر خاصة الخاصة بالروح والسر".
كما عرفه الإمام القشيري قائلا : "الذكر ركن قوي في طريق الحق سبحانه وتعالى، بل هو العمدة في هذا الطريق، ولا يصل أحد إلى الله إلا بدوام الذكر.
والذكر على مرتبتين : ذكر اللسان وذكر القلب . فذكر اللسان به يصل العبد إلى استدامة ذكر القلب . و التأثير لذكر القلب، فإذا كان العبد ذاكرا بلسانه وقلبه، فهو الكامل في وصفه فيحال سلوكه" .
"وسئل الواسطي عن الذكر فقال: الخروج من ميدان الغفلة إلى فضاء المشاهدة على غلبة الخوف، وشدة الحب له .
ويقول ذو النون: "من ذكر الله تعالى ذكرا على الحقيقة نسى في جنب ذكره كل شيء، وحفظ الله تعالى عليه كل شيء، وكان له عوضا عن كل شيء".
"سئل أبو عثمان ، فقيل له : نحن نذكر الله تعالى، ولا نجد قي قلوبنا حلاوة؟ فقال: احمدوا الله تعالى، على أن زين جارحة من جوارحكم بطاعته" .
ويعرف القاشاني الذكر قائلا : "الذكر : الخلاص من النسيان بدوام حضور القلب مع الحق .
وصورته في البدايات : الذكر الظاهر
وفي النهايات: شهود ذكر الحق إياك، والتخلص من شهود ذكرك إياه ومعرفة افتراء الذكر في بقائه مع ذكره ".
انطلاقا من هذا التعريف للذكر نتبين أن حال الذاكر في ترق دائم، وفي كل مقام يتغير حاله في الذكر، ولذلك كان الصوفية دائما يلحون على الاستزادة من الذكر في ممارساتهم، وإن اقتصر هذا الذكر على اللسان فقط، لأن هذا الأخير من شأن صاحبه الصادق في طلبه والمخلص في توجهه إلى الله عز وجل، أن يرتقي بحال ذكره من ظاهري إلى ذكر باطني، أو من ذكر باللسان إلى ذكر بالجنان، أو من ذكر مع غفلة إلى ذكر مع حضور، ولابن عطاء الله السكندري حكمة في هذا الباب جامعة مانعة إذ يقول :" لا تترك الذكر لعدم حضور قلبك مع الله فيه لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور، ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور، " وما ذلك على الله بعزيز.
فبقدر ما يداوم الإنسان على الذكر بقدر ما يتمكن عاجلا أم أجلا من امتلاك قلبه، والقضاء على كل ما يشغله عن الله . وفي هذا الصدد يقول ابن عجيبة " الذاكر إذا تجوهرت روحه بأنوار ذكر الله ، هاجت في قلبه لواعج المحبة، فلا يقر له قرار، ولا يمسه نصب ولا يعتريه ملل، ولا يقهره عطش، ولا يصده نوم، ولا يثنيه هم، ولا يعبأ بقيل وقال، ولا تفتر همته دنيا ولا مال، ولا تشغله تجارة ولا عيال، فلا راحة له ولا مقبل، إلا في رحاب حضرة حبيبه الجميل الجليل، ومن استدام على الحضور مع الله، استمد من أنوار العظمة الإلهية ما يقيم في نفسه وازع الحياء، ويوقد في قلبه أشواقا بها الهيبة، فيجد حلاوة الأدب مع الحق، ويتذوق طعم حسن الخلق مع الخلق ".
فبذكر الله يرتعش الوجدان، و يخفق القلب، ويتحقق العبد بعبوديته فيغدو مراقبا خاشيا للحق تعالى، ومن ثمة متذللا متضرعا، لاستحضاره الدائم لجلال الله وعظمته، واستحضار المخافة لغضبه وعقابه، واستحضار الرجاء فيه والالتجاء إليه، فتصفو النفس وتتحقق بالعودة إلى أصلها الطيب، فتنعم برضى الله تعالى، وتزهو بدوام قربها منه وبعدها عن سواه .