أجمع اهل الله على ان التصوف له شروط ومبادئ وهي:
1. توبة القلب والجوارح؛
2. تقوى الظاهر والباطن، ويُشترط فيه العلم بالضروري من علوم الدين؛
3. صحبة الشيخ العارف بالمسالك؛
4. محاسبة النفس على الأنفاس والخواط
5. الإتيان بالفرائض ثُم النوافل؛
6. الإكثار من ذكر الله؛
7. مجاهدة النفس؛
8- التحلي بمقامات اليقين من: خَـوْفٍ ورَجـاء وشُكر وصَبْر وتَوْبَة وزُهـد وتَـــوَكُّــل ورِضَــــا ومَحَـــبَّــة وصدق..
فإذا التزم المريد السالك للطريق هذه المنازل والثوابت والقواعد والمبادئ والشروط، حقق بذلك قصده ونال الرفعة والذروة المتمثلة في المعرفة بالله.
إن المعرفة بالله هي نهاية مقام الإحسان وآخر منازله، وتتجلى في تمكين حال المشاهدة كَأَنَّكَ تَرَاه، وهذا التمكين لا يتأتى للسالك إلا إذا تخلى في ظاهره وباطنه عن الرذائل، وتحلى بالفضائل، مع الأخذ بالأسباب الموصلة إلى ذلك، وذلك هو حاصل علم الصوفية؛ قال حجة الإسلام في المنقذ من الضلال: “حاصل علم الصوفية قطع عقبات النفس والتنزه عن أخلاقها الذميمة حتى يتوصل إلى تخليص القلب عن غير الله، وتحليته بذكره“.والمعرفة بالله هي غاية السالكين ونهاية المسافرين إلى الله تعالى، وهي من أشرف العلوم وأدقِّها؛ قال الجنيد رضي الله عنه: “لو علمت أن تحت أديم السماء أشرف من هذا العلم الذي نتكلم فيه مع أصحابنا لسعيت إليه“.وقال مالك بن دينار: “خرج الناس من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيء فيها، قيل: وما هو؟ قال: المعرفة”.وقال يحيى بن معاذ: “في الدنيا جنة معجلة من دخلها لم يشتق إلى جنة الآخرة، ولا إلى شيء، ولم يستوحش من شيء، قيل: وما هي؟ قال: معرفة الله عز وجل”، ولهذا قال قائلهم: “والله لو علم الملوك ما نحن عليه لجالدونا عليه بالسيوف“.وقد عَقَدَ البخاري باباً في صحيحه تحت عنوان باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أعلمكم بالله' وأن المعرفة فِعلُ القلب لقول الله تعالى: “ولَكِنْ يُواخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ” [البقرة، 223].يُستنبط من هذا الحديث أنَّ المعرفةَ أو العلم بالله درجات، وأن بعض الناس فيه أفضل من بعض، وأن النبي صلى الله عليه وسلم منه في أعلى الدرجات.. وهذا العلم بالله، الذي هو من أعمال القلوب، يأتي فوق العلم بأمر الله بمسافات طويلة ودرجات كثيرة..فغاية المعرفة عند العلماء العلم بأمر الله، وأما عند القوم فالمعرفة صِفةُ مَن عَرف الحق بأسمائه وصفاته، ثم قطع عقبات النفس وتخلى عن صفاتها الذميمة وتحلى بصفات الله العلية، وداوم السجود بقلبه بين يدي ربه، ودامت في سره مع الله مناجاته، وكسته من الله هيبة الجلال والجمال؛ قال أبو علي الدقاق: “من أمارات المعرفة بالله تعالى: حصول الهيبة من الله، فمن ازدادت معرفته ازدادت هيبته”.وقد اشترط الساحلي في بغيته أربعة شروط لمبادئ المعرفة وهي:
• القرب الدائم. فلا يشهد غير الله ولا يرجع إلا إليه.. إذ العارف مستهلك في معروفه، مستغرق في شهوده؛
• العجز الموذن في الإدراك،.. وإلى ذلك الإشارة بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك“؛
• المحافظة على الرسوم الشرعية، وإقامة الوظائف الدينية، اقتداء بإمام العارفين وسيد المقربين الذي تفطرت قدماه من طول القيام في الصلاة، مع تمكين معرفته؛
• صيانة ما حصل عليه من تصفية الروح حتى يبقى مخلقا بأخلاق الحق، فيكون خليفته على الحقيقة، فلا يتحرك ولا يسكن ولا ينطق ولا يصمت إلا بالله ولله، وعن الله، وفي الله، وإلى الله، ومع الله، حتى إن لسانه لصامت عن الحقائق، وأقواله وأفعاله تشير إليها. فهو بالله من حيث توليته له، ولله من أجله لا من أجل حظ، ومع الله من حيث المشاهدة، وفي الله من حيث الفكر والترقي، وإلى الله من حيث التوجه والقصد، وعن الله من حيث التكاليف..
وفي وصْف العارف، قال إمام الطريقة أبو القاسم الجنيد: “عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقه، ناظر إليه بقلبه، أحرقت قلبه أنوار هويته، وصفا شرابه من كأس وده، وتجلى له الجبار عن أستار غيبه، فإن تكلم فبالله، وإن سكت فمن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله، ولله، ومع الله، ومن الله، وإلى الله“.