إن العمل إذا كان حده الجوارح الظاهرة يسمى مقام الإسلام ، وإذا انتقل لتصفية البواطن بالرياضة والمجاهدة يسمى مقام الإيمان ، وإذا فتح على العبد بأسرار الحقيقة يسمى مقام الإحسان ، والإسلام مركبا من ثلاثة : التوبة والتقوى والاستقامة ، والإيمان مركبا من الإخلاص والصدق والطمأنينة ، والإحسان مركبا من المراقبة والمشاهدة والمعرفة ، ولكل زمان ورجال تربية واصطلاح في السير ، والمقصد واحد ، وهو المعرفة العيانية .
قال القشيري : الإيمان هو حياة القلوب ، والقلوب لا تحيا إلا بعد ذبح النفوس ، ولنفوس لا تموت ولكنها تغيب .
أي : المقصود بقتل النفوس : هو الغيبة عنها في نور التجلي ، فإذا وقع الفناء في شهود الحق عن شهود الخلق فلا مجاهدة . وقال القشيري في مختصره : { قالت الأعراب آمنا . . . } الخ ، يشير إلى أن حقيقة الإيمان ليست مما يتناول باللسان ، بل هو نور يدخل القلوب ، إذا شرح الله صدر العبد للإسلام؛ كما قال تعالى : { فهو على نور من ربه } [ الزمر : 22 ] ، وقال عليه السلام في صفة ذلك النور : « إن النور إذا وقع في القلب انفسح له واتسع » ، قالوا : يا رسول الله؛ هل لذلك النور من علامة؟ قال : « بلى؛ التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت . قبل نزوله » لهذا قال تعالى : { ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } أي : نور الإيمان .