آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الوارث المحمدي والذكر المأذون

إن خروج النفس اللوامة عن فعلها وعدم رؤيتها له لا يتأتى إلا بدعم خارجي من شيخ عارف بالله دال عليه، وإن كان هذا الدعم الروحي يعتبر ضروريا منذ مرحلة النفس الأمارة بالسوء لطي المراحل واختصار المسافات.ذلك أن خروج النفس عن فعلها وعدم رؤيتها له أمر شاق لا يتأتى لها من تلقاء نفسها نظرا لارتباطها الشعوري بفعلها الذي تعتبره صادرا عنها. فهي منطقيا لا تستطيع الانفكاك عنه شعوريا إلا بالتخلي عنه. إلا أن صحبة العارف بالله ودعمه الخارجي يحقق هذا الانفكاك الشعوري عن العمل مع الاستمرار في مزاولته، وذلك بإفناء النفس عن فعلها.

فالعابد لا يمكنه أن ينفك شعوريا عن عبادته بالقيام بمزيد منها، بل على العكس كلما زادت تراكمات أعماله التعبدية كلما زاد تعلقه الشعوري بها. ولخروج النفس عن رؤية فعلها، يجب أن تستند إلى "فعل حر" وهو ذكر الله المأذون الذي يصفه عارف بالله خرج عن رؤية فعله إلى رؤية فعل الله فيه.

فذكر الله المأذون وإن كان هو نفسه عملا تعبديا إلا أنه مشحون بأنوار إلهية تحرق جميع التعلقات، بما فيها التعلق بفعل الذكر نفسه. فهو كعود ُتحرك به نار على الموقد كلما زاد اشتعالها ازداد استهلاكها للعود حتى تفنيه. فذكر الله المأذون يؤدي إلى غياب الشعور بالأفعال بما فيه فعل الذكر نفسه من خلال تجلي الفعل الإلهي فيها. وتصبح الأفعال أسبابا يخلق الله سبحانه وتعالى الأشياء عندها أي بمناسبتها لا بها.

إن الوعي بفعل الله في أفعال العبد لا تأتي إلا بفضل تدفق الأنوار الإلهية الحارقة للسوى (ما سوى الله) عبر قناة ذكر الله المأذون من شيخ عارف بالله دال عليه. وذكر الله المأذون هذا لا يكون له تأثير حارق للسوى إلا من خلال الاعتقاد في ولاية الشيخ المربي.

فقلب الشيخ المربي المأذون المتجوهر بالأنوار الإلهية " يؤطر " في الغيب قلب المريد ويشرف على تربيته ويمده بأسرار وأنوار وفيوضات لا عهد له بها سابقا مما يجعله يغيب عن فعله بشهود فعل الله فيه. وهذا الشهود ( تجلى الأفعال) يخرجه من نار اللوم والمنازعة إلى سكينة الطمأنينة. فالمريد يستمر في ممارسة طاعاته لكن باعتبارها صادرة من الله إليه لا باعتبارها صادرة منه إلى الله. " فتاب عليهم ليتوبوا" "رضي الله عنهم ورضوا عنه".

ونجد أن على قمة هرم الولاية في الإسلام يتربع الوارث المحمدي الذي يؤدي التصديق في ولايته والخضوع لإرادته إلى توجيه القلب إلى الله تعالى بسرعة تتناسب مع درجة التصديق في ولايته، وإخلاص المريد في طلبه للحق سبحانه. ففي مجال التربية الروحية يسري أيضا قانون العرض والطلب الذي يتحكم في الأسواق حيث يحدد الطلب (طلب المريد) العرض (الفيوضات الإلهية).

فالوارث المحمدي هو " باب الله " يكفي طرقه بإلحاح ليفتح.
يقول ابن عطاء الله في هذا الصدد: " سبحان من لم يجعل الدليل على أوليائه إلا من حيث الدليل عليه، ولم يوصل إليهم إلا من أراد أن يوصله إليه" .

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية