الإشارة
لما تلجَّى الحق سبحانه من عالَم الجبروت إلى عالم الملكوت، أو تقول: من عالم الغيب إلى عالم الشهادة، حمد نفسه بنفسه، ومجَّد نفسه بنفسه، ووحَّد نفسه بنفسه، ولله دَرُّ الهَرَوِيّ، حيث قال:
ما وَحَّدَ الواحِدَ مِنْ واحِدِ
|
إذ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جَاحِدُ
| |
توحيدُ مَنْ ينطقُ عن نَعْتِهِ
|
عاريةُ أَبْطَلَهَا الواحِدُ
| |
توحيدُه إياه توحيدُه
|
ونعتُ من يَنْعَتُه لاَحِدُ
|
فقال في توحيد نفسه بنفسه مترجماً عن نفسه بنفسه: { الحمد لله رب العالمين } ، فكأنه يقول في عنوان كتابه وسر خطابه: أنا الحامد والمحمود، وأنا القائم بكل موجود، أنا رب الأرباب، وأنا مسبب الأسباب لمن فهم الخطاب، أنا رب العالمين، أنا قيوم السموات والأرَضين، بل أنا المتوحِّدُ في وجودي، والمتجلِّي لعبادي بكرمي وجودي، فالعوالم كلها ثابتة بإثباتي، مَمْحُوَّةٌ بأحدية ذاتي.
قال رجل بين يدي الجنيد: { الحمد لله } ولم يقل: { رب العالمين } ، فقال له الجنيد: كَمِّلْهَا يا أخي، فقال الرجل: وأيّ قَدْر للعالمين حتى تُذكر معه؟! فقال الجنيد: قُلها يا أخي؛ فإن الحادث إذا قُرن بالقديم تلاشى الحادث وبقي القديم.
البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة