الكرامة عند الصوفية ليست في خرق عوائد النفس وقطع مألوفها، ولا في خرق عوائد الطبيعة وقطع عقباتها، بل إن الصوفية يعتقدون أن الوقوف مع الكرامات يحجب عن الله، بل هو مدعاة للغرور، كما أن من مواقفهم أن الخوارق قد تتهيأ لمن لم يكمل في مقام التصوف.
وفي هذا يقول الشيخ أبو عبد الله القرشي: "من لم يكن كارها لظهور الآيات وخوارق العادات منه، كراهية الخلق لظهور المعاصي، فهو في حقه حجاب، وسترها عليه رحمة، فإن من خرق عوائد نفسه لا يريد ظهور شيء من الآيات وخوارق العادات له، بل تكون نفسه عنده أقل وأحقر من ذلك، فإذا فني عن إرادته جملة فكان له تحقق في رؤية نفسه بعين الحقارة والذلة، حصلت له أهلية ورود الألطاف، والتحقق بمراتب الصديقين".
وقال علي الخواص: "الكُمّل يخافون من وقوع الكرامات على أيديهم، ويزدادون بها وجلا وخوفا، لاحتمال أن تكون استدراجا".
وقال علي الخواص: "الكُمّل يخافون من وقوع الكرامات على أيديهم، ويزدادون بها وجلا وخوفا، لاحتمال أن تكون استدراجا".
وأشار أبو القاسم القشيري إلى ذلك بقوله: "واعلم أن من أجلِّ الكرامات التي تكون للأولياء: دوام التوفيق للطاعات، والعصمة من المعاصي والمخالفات".
ثم إن الكرامة قد تكون طيّا للأرض ومشيا على الماء، واطلاعا على كوائن كانت وكوائن لم تكن بعد من غير طريق العادة، وتكسير الطعام أو الشراب، أو إتيانا بثمرة في غير أوانها، أو إيجاب الدعوة بإتيان مطر في غير وقته، أو صبرا عن الغذاء مدة تخرج عن طور العادة...، فهذه كلها كرامات ظاهرة حسية، وهناك كرامات أخرى أفضل وأجلّ، وهي الكرامات المعنوية كالمعرفة بالله والخشية، ودوام المراقبة، والمسارعة لامتثال أمره ونهيه والرسوخ، ثم اليقين والقوة والتمكين ودوام المتابعة والاستماع من الله، والفهم عنه ودوام الثقة به، وصدق التوكل عليه إلى غير ذلك...
ثم إن السادة الصوفية لا يعتبرون ظهور الكرامات على يد الولي الصالحعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَيُّوبَ، يَقُولُ: «عَقَدْتُ عَلَى نَفْسِي أَنْ لَا أَمْشِيَ غَافِلًا وَلَا أَمْشِيَ إِلَّا ذَاكِرًا فَمَشَيْتُ مِشْيَةَ غَفْلَةٍ فَأَخَذَتْنِي عَرْجَةٌ فَعَلِمْتُ مِنْ أَيْنَ أُتِيتُ فَبَكَيْتُ وَاسْتَغَثْتُ فَتُبْتُ فَزَالَتِ الْعِلَّةُ وَالْعُرْجَةُ فَرَجَعْتُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي غَفَلْتُ فِيهِ فَرَجَعْتُ إِلَى الذِّكْرِ فَمَشَيْتُ سَلِيمًا» دليلا على أفضليته على غيره، وفي ذلك قال الإمام اليافعي- رحمه الله تعالى-: "لا يلزم أن يكون كل من له كرامة من الأولياء أفضل من كل من ليس له كرامة منهم، بل قد يكون بعض من ليس له كرامة منهم، أفضل من بعض من له كرامة؛ لأن الكرامة قد تكون لتقوية يقين صاحبها، ودليلا على صدقه وعلى فضله لا على أفضليته، وإنما الأفضلية تكون بقوة اليقين، وكمال المعرفة بالله تعالى".
وذُكر عند سهل بن عبد الله التستري الكرامات، فقال: "وما الآيات وما الكرامات؟! أشياء تنقضي لوقتها، ولكن أكبر الكرامات أن تبدل خلقا مذموما من أخلاق نفسك بخلق محمود".
وعليه، فإن الكرامة الحقيقة إنما هي في حصول الاستقامة والوصول إلى كمالها، من صحة الإيمان بالله عز وجل، واتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، فالواجب على العبد أن لا يحرص إلا عليهما، ولا تكون له همة إلا في الوصول إليهما...، وأما الكرامة بمعنى خرق العادة فلا عبرة بها عند المحققين إذ قد تظهر على من لم تكتمل استقامته، أو كان مستدرجا في الطريق...
وعليه، فإن الكرامة الحقيقة إنما هي في حصول الاستقامة والوصول إلى كمالها، من صحة الإيمان بالله عز وجل، واتباع ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا، فالواجب على العبد أن لا يحرص إلا عليهما، ولا تكون له همة إلا في الوصول إليهما...، وأما الكرامة بمعنى خرق العادة فلا عبرة بها عند المحققين إذ قد تظهر على من لم تكتمل استقامته، أو كان مستدرجا في الطريق...