آخر الأخبار

جاري التحميل ...

إيقاظ الهمم في شرح الحكم(12)

(الكون كله ظلمة وإنما أناره ظهور الحق فيه)


الكون من حيث كونيته وظهور حسه كله ظلمة لأنه حجاب لمن وقف مع ظاهره عن شهود ربه ولأنه سحاب يغطي شمس المعاني لمن وقف مع ظاهر حس الأواني وإليه أشار الششتري بقوله:
لا تنظر إلى الأواني، وخض بحر المعاني، لعلك تراني
فصار الكون بهذا الإعتبار كله ظلمة وإنما أناره تجلي الحق به وظهوره فيه فمن نظر إلى ظاهر حسه رآه حساً ظلمانياً ومن نقد إلى باطنه رآه نوراً ملكوتياً قال الله تعالى:" الله نور السموات والأرض " فتحمل أن قول الشيخ الكون كله ظلمة إنما هو في حق أهل الحجاب لإنطباع ظاهر صور الأكوان في مرآة قلوبهم وأما أهل العرفان فقد نفذت بصيرتهم إلى شهود الحق فرأوا الكون نوراً فائضاً من بحر الجبروت فصار الكون عندهم كله نوراً قال الله تعالى:﴿قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي من نور ملكوته وأسرار جبروته.
وهذه المعاني إنما هي أذواق لا تدرك بالعقل ولا بنقل الأوراق وإنما تدرك بصحبة أهل الأذواق فسلم ولا تنتقد، إن لم تر الهلال فسلم، لأناس رواه بالأبصار.
ثم قسم الناس في شهود الحق على ثلاثة أقسام: عموم وخصوص وخصوص الخصوص فقال:"فمن رأى الكون ولم يشهده فيه أو عنده أو قبله أو بعده فقد أعوزه وجود الأنوار وحجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار".
فأهل مقام البقاء يشهدون الحق بمجرد وقوع بصرهم على الكون فهم يثبتون الأثر بالله ولا يشهدون بسواه إلا أنهم لكمالهم يثبتون الواسطة والموسوطة فهم يشهدون الحق بمجرد شهود الواسطة أو عندها بلا تقديم ولا تأخير ولا ظرفية ولا مظروف
مذ عرفت الإله لم أر غيراً ... وكذا الغير عندنا ممنوع
قال الشيخ مولاي عبد السلام بن مشيش لأبي الحسن رضي الله عنهما:"يا أبا الحسن حدد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء وعند كل شيء ومع كل شيء وقبل كل شيء وبعد كل شيء وفوق كل شيء وتحت كل شيء وقريباً من كل شيء ومحيطاً بكل شيء بقرب هو وصفه وبحيطة هي نعته وعد عن الظرفية والحدود وعن الأماكن والجهات وعن الصحبة والقرب بالمسافات وعن الدور بالمخلوقات وأمحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن وهو هو هو كان الله ولا شيء معه وهو الآن على ما عليه كان".
قال بعضهم: "ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه"، فأهل السير من المريدين يشهدون الكون ثم يشهدون المكون عنده وبأثره فيمتحق الكون من نظرهم بمجرد نظرهم إليه وهذا حال المستشرفين وأهل مقام الفناء يشهدون الحق قبل شهود الخلق بمعنى أنهم لا يرون الخلق أصلاً إذ لا ثبوت له عندهم لأنهم لسكرتهم غائبون عن الواسطة فانون عن الحكمة غرقي في بحر الأنوار مطموس عليهم الآثار وفي هذا المقام قال بعضهم:" ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله" وأهل الحجاب من أهل الدليل والبرهان إنما يشهدون الكون ولا يشهدون المكون لا قبله ولا بعده إنما يستدلون على وجوده بوجود الكون وهذا لعامة المسلمين من أهل اليمين قد أعوزهم أي فاتهم وجود الأنوار ومنعوا منها وحجبت عنهم شموس المعارف بسحب الآثار بعد طلوعها وأشراق نورها لكن لا بد للشمس من سحاب وللحسناء من نقاب ولله در القائل:

وما أحتجبت إلا برفع حجابها ... ومن عجب أن الظهور تستر


التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية