إبراهيم بن أدهم ابن منصور بن يزيد بن جابر ، القدوة الإمام العارف ، سيد الزهاد أبو إسحاق العجلي ، وقيل : التميمي ، الخراساني البلخي ، أحد أعلام التصوف في القرن الثاني الهجري من أهل بلْخ.
يقول إبراهيم بن أدهم : كان أبي من أهل بلخ ، وكان من ملوك خراسان ، وكان من المياسر ، وحبب إلينا الصيد ، فخرجت راكبا فرسي ، وكلبي معي ، فبينما أنا كذلك فثار أرنب أو ثعلب ، فحركت فرسي ، فسمعت نداء من ورائي : ليس لذا خلقت ، ولا بذا أمرت ، فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحدا ، فقلت : لعن الله إبليس ، ثم حركت فرسي ، فأسمع نداء أجهر من ذلك : ياإبراهيم ، ليس لذا خلقت ، ولا بذا أمرت ، فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلا أرى أحدا ، فقلت : لعن الله إبليس ، ثم حركت فرسي ، فأسمع نداء من قربوس سرجي : يا إبراهيم ، ما لذا خلقت ، ولا بذا أمرت ، فوقفت فقلت : أنبهت ، أنبهت ، جاءني نذير من رب العالمين ، والله لا عصيت الله بعد يومي ذا ما عصمني ربي ، فرجعت إلى أهلي فخليت عن فرسي ، ثم جئت إلى رعاة لأبي ، فأخذت منهم جبة ، وكساء ، وألقيت ثيابي إليه ، ثم أقبلت إلى العراق...
قال عبد الرحمن بن مهدي : قلت لابن المبارك : إبراهيم بن أدهم ممن سمع ؟ قال : قد سمع من الناس ، وله فضل في نفسه ، صاحب سرائر ، وما رأيته يظهر تسبيحا ، ولا شيئا من الخير ، ولا أكل مع قوم قط ، إلا كان آخر من يرفع يده . أبو نعيم : سمعت سفيان يقول : كان إبراهيم بن أدهم يشبه إبراهيم الخليل ، ولو كان في الصحابة ، لكان رجلا فاضلا .
روى إبراهيم بن أدهم عن جماعة من التابعين وتابعي التابعين مسندا ومرسلا ، ولقي من الكوفيين والبصريين وغيرهم عدة ، لم تكن الرواية من شأنه ، فلذلك يقل حديثه ، فمنهم روايته عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي ، رأى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ، وسمع من البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما .
روايته للحديث
حدثنا أبو محمد بن حيان ، ثنا أحمد بن الحسين الحذاء ، ثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، ثنا الحسن بن الربيع أبو علي البجلي ، ثنا المفضل بن يونس ، عن إبراهيم بن أدهم ، عن منصور ، عن مجاهد : أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل يحبني الله تعالى عليه ويحبني الناس عليه ، فقال : " أما ما يحبك الله عليه فالزهد في الدنيا ، وأما ما يحبك الناس عليه فانبذ إليهم هذا القثاء "
- حدثنا حبيب بن الحسن ، ثنا الفضل بن أحمد بن إسماعيل قالوا : ثنا محمد بن منصور الطوسي ، ثنا حاجب بن الوليد ، ثنا بقية بن الوليد ، عن إبراهيم بن أدهم ، عن مقاتل بن حيان ، عنشهر بن حوشب ، عن أم سلمة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيرا ما يقول : " اللهم ثبت قلبي على دينك " زاد سليمان وقال : " إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن ، ما شاء أزاغ وما شاء أقام "
- ثنا إبراهيم بن بشار ، قال : سمعت إبراهيم بن أدهم يقول : روى الربيع بن صبيح ، عن الحسن ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا استقر أهل الجنة في الجنة اشتاق الإخوان إلى الإخوان فيسير سرير ذا إلى سرير ذا فيلتقيان فيتحدثان ما كان بينهما في دار الدنيا ، ويقول : يا أخي تذكر يوم كذا كنا في دار الدنيا في مجلس كذا ، فدعونا الله فغفر لنا " ، غريب من حديث إبراهيم والربيع .
اقواله رضي الله عنه:
- قال إبراهيم بن أدهم: كان قتادة يقول : أفضل الناس أعظمهم عن الناس عفوا وأفسحهم له صدرا .
- على القلب ثلاثة أغطية: الفرح، والحزن، والسرور. فإذا فرحت بالموجود فأنت حريص، الحريص محروم. وإذا حزنت على المفقود فأنت ساخط، والساخط معذب. وإذا سررت بالمدح فأنت معجب، والعجب يحبط العمل. ودليل ذلك قول القرآن:( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم)
- قلة الحرص والطمع تورث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع تكثر الهم والجزع.
- كان إبراهيم بن أدهم يمشي في البصرة فاجتمع إليه الناس فقالوا: ما بالنا ندعو فلا يستجاب لنا، والله تعالى يقول: (وقال ربكم ادعون أستجب لكم)، فقال: يا أهل البصرة قد ماتت قلوبكم بعشرة أشياء: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه. قرأتم القرآن ولم تعملوا به. ادعيتم حب الرسول صلى الله عليه وسلم وتركتم سنته. ادعيتم عداوة الشيطان وأطعتموه. ادعيتم دخول الجنة ولم تعملوا لها. ادعيتم النجاة من النار ورميتم فيها أنفسكم. قلتم الموت حق ولم تستعدوا له. اشتغلتم بعيوب الناس ولم تنشغلوا بعيوبكم. دفنتم الأموات ولم تعتبروا. أكلتم نعمة الله ولم تشكروه عليها.
- قال رجل لإبراهيم بن أدهم: إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء!! فقال: لا تعصه بالنهار وهو يقيمك بين يديه في الليل، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف.
كان كثير التفكر والصمت، بعيداً عن حب الدنيا، وما فيها من شهرة وجاه ومال، حريصاً على الجهاد في سبيل الله لا يفتر عنه. وكان برغم زهده يدعو إلى العمل والجد فيه وإتقانه، ليكون كسباً حلالاً. ولذلك أعرض عن ثروة أبيه الواسعة، وعما كان يصيبه من غنائم الحرب وآثر العيش من كسب يده.
وفاته
توفي إبراهيم بن أدهم سنة 162 هـ،وهو مرابط مجاهد في إحدى جزر البحر المتوسط، ولما شعر بدنو أجله قال لأصحابه: أوتروا لي قوسي. فأوتروه. فقبض على القوس ومات وهو قابض عليها يريد الرمي بها.