{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }
يقول الحقّ جلّ جلاله: واذكر { إِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ } ، لما تبينت فضيلة، آدم أمرهم بالسجود، فقال لهم: { اسْجُدُوا لآدَمَ } سجود انحناء، { فَسَجَدُوا } كلهم، لأنهم شهدوا الجمع ولم يشهدوا الفرق، فرأوا آدم قِبْلَةً، أو نوراً من أنوار عظمته، { إلاَّ إِبْليسَ } أي: امتنع؛ حيث نظر الفرق بحكمة الواحد القهار، فاستبكر { وكان } من جملة { الْكَافِرِينَ }. وكفره باعتراضه على الله وتسفيه حكمه، لا بامتناعه؛ إذ مجرد المعصية لا تكفر. والله تعالى أعلم.
والسجود لا يكون عبادة لِعَيْنهِ ولكن لموافقة أمره سبحانه، فكأن سجودَهم لآدم عبادةٌ لله؛ لأنه كان بأمره، وتعظيماً لآدم لأنه أمرهم به تشريفاً لشأنه، فكأن ذلك النوعَ خضوعٌ له ولكن لا يسمى عبادة، لأن حقيقة العبادة نهاية الخضوع وذلك لا يصحُّ لغيره سبحانه.
قوله تعالى: { فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ } أبى بقلبه، واستكبر عن السجود بنفسه، وكان من الكافرين في سابق حكمه وعلمه.
واعلم أن هذا هو النعمة الرابعة من النعم العامة على جميع البشر، وهو أنه - سبحانه وتعالى - جعل أبانا مسجود الملائكة؛ وذلك لأنه - تعالى - ذكر تخصيص آدم بالخلافة أولاً، ثم تخصيصه بالعلم الكثير ثانياً ثم بلوغه في العلم إلى أن صارت الملائكة عاجزين عن بلوغ درجته في العلم وذكر الآن كونه مسجوداً للملائكة.
يقول ابن عجيبة: إذا كمل تصفية الروح، وظهر شرفها، خضع لها كل شيء، وتواضع لها كل شيء، وانقاد لأمرها من سبقت له العناية، وهبت عليه ريح الهداية، لأنها صارت آدم الأكبر، إلا من إبلسته المشيئة، وطردته القدرة، فاستبكر عن تحكيم جنسه على نفسه، وكان من الكافرين لوجود الخصوصية، جزاؤه حرمان شهود طلعة الربوبية، وهبوطه إلى حضيض العمومية.