{ قُلْنَا ٱهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }
يقول تعالى مخبراً عما أنذر به آدم وزوجته حين أهبطهم من الجنة، والمراد الذرية، أنه سينزل الكتب، ويبعث الأنبياء والرسل { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَاىَ } أي: من أقبل على ما أنزلت به من الكتب، وأرسلت به الرسل { فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ }.
يقول القشيري:سوء الأدب على البساط يوجب الرد إلى الباب، فلما أساء آدم عليه السلام الأدب في عين القربة قال الله تعالى: { ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ } بعد أن كان لكم في محل القربة قرار ومتاع إلى حين.
وحين أخرجه من الجنة وأنزله إلى الأرض بَشَّره بأن يردَّه إلى حاله لو جنح بقلبه إلى الرجوع فقال:{ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
{ وَٱلَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَآ أُولَـٰئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ }. والذين قابلوا النعمة بغير الشكر، وغفلوا عن التصديق والتحقيق فلهم عذاب أليم مؤجَّل، وفراق معجَّل.
يقول ابن عجيبة:إذا سكنت الأرواح في عُشِّ الحضرة، وتمكنت من الشهود والنظرة، أمرها الحق تعالى بالنزول إلى سماء الحقوق أو أرض الحظوظ، فتنزل بالإذن والتمكين، والرسوخ في اليقين، لا لطلب جزاء أو لقضاء شهوة، بل تنزل بالله ومن الله وإلى الله، فمن نزل منها على هذا الهدى الحسن { فَلا خَوْفٌ عَلَيْهمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } ، ومن ركب بحر التوحيد مع غير رئيس عارف، ولم يأوِ إلى سفينة الشريعة، واستكبر عن الخضوع إلى تكاليفها لعبت به الأمواج، فكان من المغرقين. { أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون }؛ لأن من تحقق ولم يتشرع فقد تزندق، ومن تشرع ولم يتصوف فقد تفسق، ومن جمع بينهما فقد تحقق، جعلنا الله ممن تحقق بهما. وسلك على مهاجهما إلى الممات، آمين.