آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أعلام التصوف : أبو الحسن الشاذلي.

أعلام التصوف : أبو الحسن الشاذلي.


ولد أبو الحسن الشاذلي في أواخر القرن السادس الهجري في سنة (593 هـ) في قرية غمارة بالقرب من مدينة سبتة بالمغرب الأقصى.وينتمي إلى قبيلة عمران من قبائل المغرب.

أخذ الطريقة عن الشيخ عبد السلام عن أبي مدين شعيب عن سيدي عبد القادر الجيلاني رضوان الله عيهم أجمعين , وقد خلفه في الطريقة سيدي أبو العباس المرسي رحمه الله تعالى .

    تتلمذ أبو الحسن الشاذلي في صغره على الإمام عبد السلام بن مشيش، في المغرب، وكان له كل الأثر في حياته العلمية والصوفية. ثم رحل إلى تونس، وإلى جبل زغوان، حيث اعتكف للعبادة.

لقد عُرف أبو الحسن الشاذلي بعلو همته وتواضعه، وفصاحة لسانه، كما عرف بالاعتدال في المأكل والمشرب والملبس، وبالمظهر الحسن إذ يقول :"وأما اللباس اللين، وأكل الطعام الشهي، وشرب الماء البارد، فليس القصد إليه بالذي يوجب العتب من الله، إذا كان معه الشكر لله".

وكان يقول : "لا تسرف بترك الدنيا فتغشاك ظلمتها، أو تنحل أعضاءك لها، فترجع لمعانقتها، بعد الخروج منها بالهمة والفكرة أو الإرادة أو بالحركة... فاعرف الله وكن كيف شئت".

    لقد كان الشاذلي "عالما عارفا بالعلوم الظاهرة، جامعا لدقائق فنونها، من حديث وتفسير وفقه وأصول ونحو وتصريف ولغة ومعقول، وحكم وآداب، أما علوم المعرفة بالله تعالى، فهو قطب رحاها، وشمس ضحاها". قال عنه الشيخ مكين الدين الأسمر: "الناس يدعون إلى باب الله تعالى، وأبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه، يدخلهم على الله".

   وكان الشيخ أبو الحسن الشاذلي ممن أبلوا البلاء الحسن هو ومن معه من العلماء في تعبئة المسلمين تعبئة روحية وإعدادهم لمواجهة أعداء الدين من الكافرين وكان النصر حليف المسلمين في معركة المنصورة المشهورة والتي نصر الله فيها المسلمين نصرا مؤزرا.
   يقول عنه الشيخ الأكبر للأزهر سابقاً عبدالحليم محمود:"هو القطب الأكبر، والعلم الأشهر، والطود الأظهر العالي السنام.
هو البدر الطالع الواضح البرهان، الغنيّ عن التعريف والبيان، المشتهر في الدنيا قدره، والذي لا يختلف في غوثيته اثنان.
وطريه ترياق شاف لأدواء العباد، وذكره رحمة نازلة في كل ناد.
سرى سرّه في الآفاق، وسارت بمناقبه الركبان والرفاق.
قضى عمره في العبادة، وقصده للانتفاع أهل السعادة.
وكان رضي الله عنه في العلم في الغاية، وفي الزهد في النهاية، جمع الله له الشرفين: الطيني والديني، وأحرز الفضل المحقق اليقيني"

تعرفه على شيخه سيدي عبد السلام بن مشيش رحمه الله تعالى

    قال سيدي أبو الحسن الشاذلي : لما دخلت العراق اجتمعت بالشيخ الصالح أبي الفتح الواسطي فما رأيت بالعراق مثله , وكنت أطلب القطب , فقال لي :"تطلب على القطب بالعراق وهو في بلادك , ارجع إلى بلادك تجده" فرجعت إلى المغرب إلى أن اجتمعت بأستاذي الشيخ الولي العارف الصّديق القطب الغوث أبي محمد عبد السلام بن مشيش الشريف الحسني .  

   قال رضي الله عنه : لما قدمت عليه وهو ساكن مغارة برباطة في رأس الجبل اغتسلت في عين في أسفل الجبل وخرجت عن علمي وعملي وطلعت عليه فقيراً وإذ به هابط علي , فلما رآني قال مرحباً بعلي بن عبد الله بن عبد الجبار , فذكر نسبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال لي : ياعلي طلعت إلينا فقيرا عن علمك وعملك فأخذت منا غنى الدنيا والآخرة , فأخذني منه الدهش فأقمت عنده أياماً إلى أن فتح الله على بصيرتي .

    وبعد أن انتهت فترة إقامة سيدي أبي الحسن عند شيخه سيدي عبد السلام بن مشيش قال له شيخه وهو يودعه: يا علىّ ارتحل إلى إفريقيا واسكن بها بلدا تسمى (شَاذِلَةَ )، وبعد ذلك تنتقل إلى مدينة تونس، ويؤتى عليك من قبل السلطنة، وبعد ذلك تنتقل إلى أرض المشرق وبها ترث القطابة.

    انْتَقَلَ أبو الحسن إلى شاذلة، ورأى التفاف الناس حوله، فعزم أن يذهب إلى جبل زغوان في محيط شاذلة، حيث تفرغ للعبادة والمجاهدة دهرا طويلا، حتى انتقل إلى تُونُسَ، فالتف عليه جماعة من الفضلاء، ثم كثر المريدون وأخذوا يزدادون يوما بعد يوم، إلى أن اجتمع عليه خلق كثير، فدب الحسد في قلب رجل يقال له ابن البراء وهو في منصب قاضٍ، فوشى به عند السلطان، ولكن الله تعالى حماه. ثم عزم الشيخ السفر لأداء الحج، وخلال سفره سيمكث في مصر ولكن هذا ابن البراء أرسل رسالة إلى السلطان هناك: أن هذا الواصل إليكم شوش علينا بلادنا وكذلك يفعل في بلادكم، فأمر السلطان بأن يعتقل في الإسكندرية، فأقام أبو الحسن فيها أياما ثم خرج من غير أن يعلم به أحد من جنود الوالي، وتوجه إلى السلطان في القاهرة، واستأذن عليه، فقال السلطان: كيف وقد أمرنا باعتقاله بالإسكندرية، فأدخل على السلطان والقضاة والأمراء، فعرف السلطان ومن معه حقيقة الإمام الشاذلي، لما رأوا من كراماته، وكتب السلطان إلى الوالي في الإسكندرية في هذا. ثم أقام الشاذلي رضي الله عنه عند السلطان في القلعة أياما، إلى أن طلع إلى الحج. ثم رجع إلى مدينة تونس، واستمر فيها داعيا ومرشدا، وفي هذه الأثناء قدم إلى تونس الشيخ أبو العباس المرسي، فلما اجتمع به الشيخ ورآه، قال: ما ردني لتونس إلا هذا الشاب، - وهذا الشاب وهو أبو العباس لازم الشيخ ولم يفارقه إلى أن توفي الشيخ فكان خليفته بعده- واستمر إلإمام الشاذلي في تونس إلى أن سافر إلى الديار المصرية، فوصل إلى الإسكندرية، وسكن فيها وتزوج، وولد له أولاد، منهم شهاب الدين أحمد، وأبو عبد الله محمد شرف الدين، ومن البنات زينب وعريفة الخير.


    توفي الإمام أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه بوادي حميثرة بصحراء عيذاب متوجهًا إلى بيت الله الحرام في أوائل ذي القعدة (656هـ).

من أقوال سيدي أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه


■ ومن كلامه رضي الله عنه: إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة ودع الكشف، وقل لنفسك: إن الله تعالى قد ضمن العصمة في الكتاب والسنة ولم يضمنها في جانب الكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة، مع أنهم أجمعوا على أنه لا ينبغي العمل بالكشف ولا الإلهام ولا المشاهدة إلا بعد عرضه على الكتاب والسنة.

■ وكان يقول: من لم يزدد بعلمه وعمله افتقارا إلى ربه، وتواضعا لخلقه، فهو هالك.

 يقول : إذا عارض كشفك الكتاب والسنة فتمسك بالكتاب والسنة , ودع الكشف , وقل لنفسك : إن الله ضمن لي العصمة بالكتاب والسنة , ولم يضمنها في جانب الكشف والإلهام.

■ ومن أقواله أيضا : أسباب القبض ثلاثة , ذنب أحدثته أو دنيا ذهبت عنك أو شخص يؤذيك في نفسك أو عرضك , فإن كنت أذنبت فاستغفر , وإن كنت ذهبت عنك الدنيا فارجع إلى ربك , وإن كنت ظُلمت فاصبر واحتمل , هذا دواؤك , وإن لم يطلعك الله تعالى على سبب القبض فاسكن تحت جريان الأقدار فإنها سحابة سائرة .
■ يقول رضي الله عنه: "من لم يزد بعلمه وعمله افتقارا إلى ربه وتواضعا لخلقه، فهو هالك".
■ ويقول أيضا: "ما ثم أعظم من كرامة الإيمان، ومتابعة السنة"
■ ويقول: "من اكتسب وقام بفرائض الله تعالى، فقد كملت مجاهداته"
■ أما عن التقوى فيقول: "لا تقوى لمحب الدنيا، إنما التقوى لمن أعرض عنها"
■ أما حقيقة الذكر عنده فهو :"ما اطمأن بمعناه القلب، وتجلى في حقائق سحائب أنوار سحائب الله، والانقطاع عن الذكر إلى المذكور، وعن كل شيء سواه".
■ يقول أبو الحسن الشاذلي:"كنت في سياحتي في مبدأ أمري حصل لي تردد: هل ألزم البراري والقفار للتفرغ للطاعة والأذكار أو أرجع إلى المدائن والديار لصحبة العلماء والأخيار؟ فوصف لي وليٌّ هنالك، وكان برأس جبل فصعدت إليه، فما وصلت إليه إلا ليلاً، فقلت في نفسي لا أدخل عليه في هذا الوقت، فسمعته يقول من داخل المغارة: اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك، فسخرت لهم خلقك، فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك اعوجاج الخلق علي حتى لا يكون ملجئي إلا إليك. قال: فالتفت إلى نفسي وقلت: يا نفس انظري من أي بحر يغترف هذا الشيخ. فلما أصبحت دخلت إليه فأعربت من هيبته.
فقلت له: يا سيدي كيف حالك؟
فقال: أشكوا إلى الله من برد الرضا والتسليم كما تشكو أنت من حر التدبير والاختيار.
فقلت: يا سيدي أما شكواي من حر التدبير والاختيار فقد ذقته وأنا الآن فيه، وأما شكواك من برد الرضا والتسليم فلماذا؟
فقال: أخاف أن تشغلني حلاوتها عن الله.
قلت: يا سيدي سمعتك البارحة تقول: اللهم إن قوماً سألوك أن تسخر لهم خلقك، فسخرت لهم خلقك، فرضوا منك بذلك، اللهم وإني أسألك اعوجاج الخلق علي حتى لا يكون ملجئي إلا إليك، فتبسم ثم قال: يا بني، ما تقول: سخر لي خلقك قل: يا رب كن لي، أترى إذا كان لك أيفوتك شيء؟ فما هذه الجناية".

من وصايا شيخه سيدي عبد السلام بن مشيش له


■ قال أبو الحسن أوصاني أستاذي فقال: لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب الله ولا تجلس إلا حيث تامن غالبا من معصية الله ولا تصحب إلا ما تستعين به على طاعة الله ولا تصطف لنفسك إلا من تزداد به يقينا وقليل ما هم.

■ وقال: أهرب من خير الناس أكثر مما تهرب من شر الناس فإن شرهم يصيبك في بدنك وخيرهم يصيبك في قلبك ولئن تصاب في بدنك خير من أن تصاب في قلبك.

■ وقال: سيئتان قل ما ينفع معهما كثرة الحسنات: السخط لقضاء الله والظلم لعباد الله وحسنتان قل ما يضر معهما كثرة السيئات: الرضى بقضاء الله والصفح عن عباد الله.

■ وقال أفضل الأعمال أربعة بعد أربعة: المحبة لله، والرضا بقضاء الله، والزهد في الدنيا، والتوكل على الله والقيام بفرائض الله واجتناب محارم الله والصبر على ما لا يعني والورع عن كل شيء يلهي.
■ وقال: أربعة من كن فيه احتاج الخلق إليه، وهي غنى عن كل شيء: المحبة لله تعالى، والغنى بالله والصدق واليقين والصدق في العبودية واليقين بأحكام الربوبية (ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون).
■ وقال رضي الله عنه :"ارجع عن منازعة ربك تكن موحدا، واعمل بأركان الشرع تكن سنيا، واجمع بينهما تكن متحققا".
 وعن حقيقة التصوف يقول: "التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية... فالصوفي يرى وجوده كالهباء في الهواء، غير موجود ولا معدوم، حسبما هو عليه في علم الله ".
■ وقال :" أوصاني أستاذي أن خِفْ من الله خوفا تأمن به من كل شيء... وحدد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء، وقريبا من كل شيء، ومحيطا بكل شيء.
 قال له أيضا: "الله الله، والناس الناس، نزه لسانك عن ذكرهم، وقلبك عن التماثيل من قبلهم، وعليك بحفظ الجوارح، وأداء الفرائض، وقد تمت ولاية الله عليك، ولا تذكرهم إلا بواجب حق الله عليك، وقد تم ورعك".

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية