( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ) يوسف : 108 .
البصيرة : هي اليقين الذي لا مرية فيه ، والبيان الذي لا شك فيه ، والبصيرة : يكون صاحبها ملاطفاً بالتوفيق جهراً ، ومكاشفاً بالتحقيق سراً ، ويقال : البصيرة أن تطلع شموس العرفان ، فتندرج فيها أنوار نجوم العقل .
ويقول االشيخ عبد القادر الكيلاني : « البصيرة : من عين الروح تفتح في مقام الفؤاد للأولياء ، ولذلك لا تحصل بعلم الظاهر ، بل بعلم اللدن الباطن ، كما قال الله تعالى : "وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً" فالواجب على الإنسان تحصيل تلك العين على أهل البصائر بأخذ التلقين من ولي مرشد مخبر من عالم اللاهوت » .و يرى أن البصيرة لها معنيان : الأول : الولاية الكاملة ، وقد استنبطها من قوله تعالى : أَدْعو إلى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني فيقول : « على البصيرة أنا ومن اتبعني : وهو إشارة إلى الوارث الكامل المرشد ، أي الإرشاد من بعدي لمن له بصيرة باطنة مثل بصيرتي من وجه ، والمراد منه الولاية الكاملة ، كما أشار إليه بقوله – جل جلاله – : وَلِيّاً مُرْشِداً » .
والشيخ ابن عربي يقول عن البصيرة : هي إدراك البصر في الباطن أو إدراك المعاني .
البصيرة : إعطاء البصر حقه في حكمه وسائر الحواس ، وإعطاء العقل حكمه وسائر القوى المعنوية ، وإعطاء النسب الإلهية والفتح الإلهي حكمهم ، وهي التي نزل القرآن بها في قوله تعالى : أَدْعو إلى اللَّهِ عَلى بَصيرَةٍ أَنا وَمَنِ اتَّبَعَني .
ويقول : « البصيرة : هي الكشف » .
ويقول : « البصيرة : نور يبصر به القلب كما أن البصر نور تبصر به العين ( فمن أبصر ) أي صار بصيراً بها فإنما فائدة أبصاره وهدايته لنفسه ، ومن حجب عنها فإنما مضرة احتجابه لا تتعدى إلى غيره بل إليه » ، ويقول : « البصيرة : ما يقع البصر بالشيء والعلم به » .
ويقول الشيخ كمال الدين القاشاني : « البصيرة : قوة للقلب منورة ( بنور القدس يرى بها حقائق الأشياء وبواطنها بمثابة البصر للنفس الذي ترى به صور الأشياء وظواهرها ) ، وهي القوة التي يسميها الحكماء ( القوة ) العاقلة النظرية . أما إذا تنورت بنور القدس ، وانكشف حجابها بهداية الحق فيسميها الحكيم القوة القدسية » .
والشيخ عبد العزيز الدباغ يقول : « البصيرة : هي عبارة عن سريان الفهم في سائر أجزاء الروح ، كما يسري في جميعها أيضاً سائر الحواس … فالعلم قائم بجميعها والبصر قائم بجميعها ، والشم قائم بجميعها …فبصرها من سائر الجهات ، وكذا بقية الحواس » .
والشيخ محمد النبهان يقول : « البصيرة : أمرها غريب ، تدرك كل شيء ، فهي التي تبصر وتسمع وتحكي وتشم وتذوق : أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَميعاً نحن لنا الأعين لكن البصر له ، ولنا الآذان لكن السمع له ، ولنا اللسان لكن الكلام له » .يقول الشيخ عبد الله الهروي : البصيرة ما يخلصك من الحيرة وهي على ثلاث درجات :
الدرجة الأولى : أن تعلم أن الخبر القائم بتمهيد الشريعة يصدر عن عين لا تخاف عواقبها ، فترى من حقه أن تلذه يقيناً ، وتغضب له غيرةً .
والدرجة الثانية : أن تشهد في هداية الحق وإضلاله إصابة العدل ، وفي تلوين أقسامه رعاية البر، وتعاين في جذبه حبل الوصال .
والدرجة الثالثة : بصيرة تفجر المعرفة ، وتثبت الإشارة وتنبت الفراسة » .
ويشرح ابن القيم قائلا : يريد بالبصيره الكشف والعيان ,ان تتفجر بها ينابيع المعارف فى القلب ..
يقول الشيخ أبو بكر الوراق :«إذا أكل المريد شيئاً بشره نفس أعمى الله عين بصيرته».
ويقول الشيخ أبو بكر الشبلي : « البصيرة كالبصر أدنى شيء يحل فيها يعطل النظر ».
ويقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي : « عمى البصيرة في ثلاث : إرسال الجوارح في معاصي الله . والطمع في خلق الله . والتصنع بطاعة الله » .
وفي الفرق بين رؤية البصر ورؤية البصيرة يقول الشيخ أحمد بن عجيبة : « البصيرة : ناظر القلب ، كما أن البصر ناظر القالب . فالبصيرة لا ترى إلا المعاني والبصر لا يرى إلا المحسوسات . أو تقول : البصيرة لا ترى إلا اللطيف ، البصر لا يرى إلا الكثيف . أو تقول : البصيرة لا ترى إلا القديم ، والبصر لا يرى إلا الحادث . أو تقول : البصيرة لا ترى إلا المكون ، والبصر لا يرى إلا الكون … فكلما عظمت المحبة في الباطن والخدمة في الظاهر ، قوى نور البصيرة حتى يستولي على البصر ، فيغيب نور البصر في نور البصيرة ، فلا يرى إلا ما تراه البصيرة من المعاني اللطيفة والأنوار القديمة » .
ويقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي : « كل مريد ادعى فتح بصيرته وعنده بقية طمع فيما بأيدي الناس فهو كاذب . فإن من فتح الله عين بصيرته لا يصح أن يعلق قلبه بمخلوق ، لأنه يجد الخلق كلهم فقراء لا يملكون شيئاً مع الله تعالى » .
جزكم الله خيرا الجزاء وزادكم الله من العلم والتعليم
ردحذف