آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مقامات وأحوال الصوفية : الخوف

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه جل وعلا أنه قال : ( وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين ، إذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة ، وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة ) أخرجه ابن حبان في صحيحه والبزار في مسنده. 
ينبغي للعبد أن يجمع بين ثلاثة أمور : وهي المحبة والخوف والرجاء ، فإن القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر ، فالمحبة رأسه ، والخوف والرجاء جناحاه،والاقتصار على واحد من هذه الأمور الثلاثة دون الباقي انحراف عن الجادة ، وخلل في السلوك.

قال حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى :( إعلم أن حقيقة الخوف هو تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل، وقد يكون ذلك من جريان ذنوب، وقد يكون الخوف من الله تعالى بمعرفة صفاته التي توجب الخوف لامحالة، وهذا أكمل وأتم. لأن من عرف الله خافه بالضرورة. ولهذا قال الله تعالى :{إنما يخشى اللهَ من عبادهِ العلماءُ} فاطر :28 ) الأربعين في أصول الدين 169.

وعلى قدر العلم والمعرفة بالله يكون الخوف والخشية منه ، قال سبحانه :{ إنما يخشى الله من عباده العلماء } (فاطر: 28) ، ولهذا كان نبينا - صلى الله عليه وسلم - أعرف الأمة بالله جل وعلا وأخشاها له كما جاء في الحديث وقال : (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله ) رواه الترمذي .
ولما سألت عائشة رضي الله عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قول الله تعالى : { والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلةهل هم الذين يشربون الخمر ويسرقون ؟ قال : ( لا يا بنت الصديق ، ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ، وهم يخافون أن لا يقبل منهم ) رواه الترمذي ، قال الحسن : "عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم ، إن المؤمن جمع إحسانا وخشية ، والمنافق جمع إساءة وأمنا " .
والخشية أخص من الخوف ، فإن الخشية للعلماء بالله ، قال الله تعالى :{إنما يخشى الله من عباده العلماء} فهي خوف مقرون بمعرفة ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم :{ إني أتقاكم لله ، وأشدكم له خشية} . 

فالخوف حركة،والخشية انجماع،وانقباض وسكون، فإن الذي يرى العدو والسيل ونحو ذلك له حالتان : 
إحداهما : حركة للهرب منه ، وهي حالة الخوف . 
والثانية : سكونه وقراره في مكان لا يصل إليه فيه ، وهي الخشية.
فالخوف لعامة المؤمنين ، والخشية للعلماء العارفين ، والهيبة للمحبين ، والإجلال للمقربين ، وعلى قدر العلم والمعرفة يكون الخوف والخشية ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :{إني لأعلمكم بالله ، وأشدكم له خشية} وفي رواية " خوفا " وقال :{ لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا ، ولما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله تعالى}. 
قال الشيخ أحمد زروق رحمه الله تعالى في قواعده :( من بواعث العمل وجود الخشية وهي تعظيم يصحبه مهابة . والخوف هو انزعاج القلب من انتقام الرب)قواعد التصوف 74.
- سئل الجنيد عن الخوف، فقال: "هو توقع العقوبة مع مجاري الأنفاس".
- قال أبو سليمان : ما فارق الخوف قلبا إلا خرب ، وقال إبراهيم بن سفيان : إذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها ، وطرد الدنيا عنها ، وقال ذو النون : الناس على الطريق ما لم يزل عنهم الخوف ، فإذا زال عنهم الخوف ضلوا الطريق ، وقال حاتم الأصم : لا تغتر بمكان صالح ، فلا مكان أصلح من الجنة ، ولقي فيها آدم ما لقي ، ولا تغتر بكثرة العبادة ، فإن إبليس بعد طول العبادة لقي ما لقي ، ولا تغتر بكثرة العلم ، فإنبلعام بن باعورا لقي ما لقي وكان يعرف الاسم الأعظم ، ولا تغتر بلقاء الصالحين ورؤيتهم ، فلا شخص أصلح من النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم ينتفع بلقائه أعداؤه والمنافقون . قال صاحب المنازل : "الخوف هو الانخلاع من طمأنينة الأمن بمطالعة الخبر،يعني الخروج عن سكون الأمن باستحضار ما أخبر الله به من الوعد والوعيد . 
وقال : وهو على ثلاث درجات:
- الدرجة الأولى : الخوف من العقوبة ، وهو الخوف الذي يصح به الإيمان ، وهو خوف العامة ، وهو يتولد من تصديق الوعيد ، وذكر الجناية ، ومراقبة العاقبة . 
- الدرجة الثانية : خوف المكر في جريان الأنفاس المستغرقة في اليقظة ، المشوبة بالحلاوة . يريد أن من حصلت له اليقظة بلا غفلة ، واستغرقت أنفاسه فيها استحلى ذلك ، فإنه لا أحلى من الحضور في اليقظة ، فإنه ينبغي أن يخاف المكر ، وأن يسلب هذا الحضور ، واليقظة والحلاوة ، فكم من مغبوط بحاله انعكس عليه الحال ، ورجع من حسن المعاملة إلى قبيح الأعمال ، فأصبح يقلب كفيه ويضرب باليمين على الشمال ؟ بينما بدر أحواله مستنيرا في ليالي التمام ، إذ أصابه الكسوف فدخل في الظلام ، فبدل بالأنس وحشة ، وبالحضور غيبة ، وبالإقبال إعراضا ، وبالتقريب إبعادا ، وبالجمع تفرقة.
- الدرجة الثالثة : درجة الخاصة ، وليس في مقام أهل الخصوص وحشة الخوف ، إلا هيبة الجلال ، وهي أقصى درجة يشار إليها في غاية الخوف. يعني أن وحشة الخوف إنما تكون مع الانقطاع والإساءة ، وأهل الخصوص أهل وصول إلى الله وقرب منه ، فليس خوفهم خوف وحشة ، كخوف المسيئين المنقطعين ، لأن الله عز وجل معهم بصفة الإقبال عليهم ، والمحبة لهم ، وهذا بخلاف هيبة الجلال ، فإنها متعلقة بذاته وصفاته ، وكلما كان عبده به أعرف وإليه أقرب ، كانت هيبته وإجلاله في قلبه أعظم ، وهي أعلى من درجة خوف العامة".*مدارج السالكين*

جاء في الاحياء:"اعلم أن الخوف من الله تعالى على مقامين‏:‏ أحدهما الخوف من عذابه والثاني الخوف منه فأما الخوف منه فهو خوف من العلماء وأرباب القلوب العارفين من صفاته ما يقتضي الهيبة والخوف والحذر المطلعين على سر قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ ويحذركم الله نفسه ‏"‏ وقوله عز وجل ‏"‏ اتقوا الله حق تقاته ‏"‏ وأما الأول فهو خوف عموم الخلق وهو حاصل بأصل الإيمان بالجنة والنار وكونهما جزاءين على الطاعة والمعصية وضعفه بسبب الغفلة وسبب ضعف الإيمان وإنما تزول الغفلة بالتذكير والوعظ وملازمة الفكر في أهوال يوم القيامة وأصناف العذاب في الآخرة وتزول أيضاً بالنظر إلى الخائفين ومجالستهم ومشاهدة أحوالهم فإن فاتت المشاهدة فالسماع لا يخلو عن تأثير وأما الثاني وهو الأعلى فأن يكون الله هو المخوف أعني أن يخاف العبد الحجاب عنه ويرجو القرب منه‏.‏
قال ذو النون رحمه الله تعالى‏:‏ خوف النار عند خوف الفراق كقطرة قطرت في بحر لجي‏".‏

من أحوال الخائفين

ولو تأملت أحوال الصحابة والسلف والصالحين من هذه الأمة لوجدتهم في غاية العمل مع الخوف ، وقد روي عنهم أحوال عجيبة تدل على مدى خوفهم وخشيتهم لله عز وجل مع شدة اجتهادهم وتعبدهم .
فهذا الصدِّيق رضي الله عنه يقول : " وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن " ، وكان أسيفاً كثير البكاء ، وكان يقول : " ابكوا فان لم تبكوا فتباكوا " ، وكان إذا قام الى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل ، وكان عمر رضي الله عنه يسقط مغشياً عليه إذا سمع الآية من القرآن ، فيعوده الناس أياماً لا يدرون ما به ، وما هو إلا الخوف ، وكان فى وجهه رضى الله عنه خطان أسودان من البكاء ، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه إذا وقف على القبر يبكى حتى تبتل لحيته ، ويقول : " لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم الى أيتهما أصير " ، وقرأ تميم الداري ليلة سورة الجاثية فلما أتى على قول الله تعالى : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } (الجاثـية: 21) جعل يرددها ويبكى حتى أصبح.

- يقول الجنيد: "الخوف من الله يقبضني، والرجاء منه يبسطني، والحقيقة تجمعني، والحق يفرّقني. إذا قبضني بالخوف أفناني عني، وإذا بسطني بالرجاء ردّني عليَّ، وإذا جمعني بالحقيقة أحضرني، وإذا فرقني بالحق أشهدني غيري فغطّاني، فهو تعالى في ذلك كله محرّكي غير ممسكي، وموحشي غير مِؤنسي، فأنا بحضوري أذوق طعم وجودي، فليته أفناني عني فمتعني، أو غيبني فروّحني".

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية