آخر الأخبار

جاري التحميل ...

النفس اللوامة

المراد بالنفس ، عند القوم : ما كان معلوما من أوصاف العبد ، مذموما من أخلاقه وأفعاله ، سواء كان ذلك كسبيا ، أو خلقيا . فهو شديد اللائمة لها . وهذا أحد التأويلين في قوله تعالى : ( ولا أقسم بالنفس اللوامة ) قال سعيد بن جبير وعكرمة : تلوم على الخير والشر . ولا تصبر على السراء . ولا على الضراء . 

وقال قتادة : اللوامة هي الفاجرة . 
وقال مجاهد : تندم على ما فات ، وتقول : لو فعلت ؟ ولو لم أفعل ؟ . 
وقال الفراء : ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيرا قالت : هلا زدت ؟ وإن عملت شرا قالت : ليتني لم أفعل . 
وقال الحسن : هي النفس المؤمنة . إن المؤمن - والله - ما تراه إلا يلوم نفسه : ما أردت بكلمة كذا ؟ ما أردت بأكلة كذا ؟ ما أردت بكذا ؟ ما أردت بكذا ؟ وإن الفاجر يمضي قدما قدما ، ولا يحاسب نفسه ولا يعاتبها . 
وقال مقاتل : هي النفس الكافرة ، تلوم نفسها في الآخرة على ما فرطت في أمر الله في الدنيا . 
والقصد : أن من بذل نفسه لله بصدق كره بقاءه معها ؛ لأنه يريد أن يتقبلها من بذلت له . ولأنه قد قربها له قربانا . ومن قرب قربانا فتقبل منه ليس كمن رد عليه قربانه . فبقاء نفسه معه دليل على أنه لم يتقبل قربانه . 
وأيضا فإنه من قواعد القوم المجمع عليها بينهم ، التي اتفقت كلمة أولهم وآخرهم ، ومحقهم ومبطلهم عليها أن النفس حجاب بين العبد وبين الله ، وأنه لا يصل إلى الله حتى يقطع هذا الحجاب . كما قال أبو يزيد : رأيت رب العزة في المنام . فقلت : يا رب ، كيف الطريق إليك ؟ فقال : خل نفسك وتعال . 

فالنفس جبل عظيم شاق في طريق السير إلى الله عز وجل . وكل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل . فلابد أن ينتهي إليه ، ولكن منهم من هو شاق عليه ومنهم من هو سهل عليه . وإنه ليسير على من يسره الله عليه . 
وفي ذلك الجبل أودية وشعوب ، وعقبات ووهود ، وشوك وعوسج ، وعليق وشبرق ، ولصوص يقتطعون الطريق على السائرين . ولا سيما أهل الليل المدلجين . فإذا لم يكن معهم عدد الإيمان ، ومصابيح اليقين تتقد بزيت الإخبات ، وإلا تعلقت بهم تلك الموانع . وتشبثت بهم تلك القواطع وحالت بينهم وبين السير . 
فإن أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته . والشيطان على قلة ذلك الجبل يحذر الناس من صعوده وارتفاعه ، ويخوفهم منه . فيتفق مشقة الصعود وقعود ذلك المخوف على قلته ، وضعف عزيمة السائر ونيته . فيتولد من ذلك الانقطاع والرجوع . والمعصوم من عصمه الله . 
وكلما رقى السائر في ذلك الجبل اشتد به صياح القاطع ، وتحذيره وتخويفه ، فإذا قطعه وبلغ قلته : انقلبت تلك المخاوف كلهن أمانا . وحينئذ يسهل السير ، وتزول عنه عوارض الطريق ، ومشقة عقباتها ، ويرى طريقا واسعا آمنا . يفضي به إلى المنازل والمناهل . وعليه الأعلام . وفيه الإقامات ، قد أعدت لركب الرحمن . 
فبين العبد وبين السعادة والفلاح قوة عزيمة ، وصبر ساعة ، وشجاعة نفس ، وثبات قلب . والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء . والله ذو الفضل العظيم . 

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية