قال القشيري: {إنّ الذين يُحادون الله ورسولَه}، يعني: يُحادون مظاهر الله، وهم الأولياء المحققون، العارفون القائمون بأسرار الحقائق، ومظاهر رسول الله، وهم العلماء العاملون، القائمون بأحكام الشرائع، كُبتوا: أُفحموا بالحُجج وإظهار البراهين من الكرامات الظاهرة، وخرق العادات الباهرة، أو نشر العلوم الشريعة، ونشر الأحكام الفرعية، وقد أنزلنا بصحة ولايتهم، وقوة وراثتهم، علامات ظاهرة، ودلالات زاهرة، من المشاهدات والمعاينات، أو الحجج القاطعة والبراهين الساطعة، ومن ستر أنوار ولايتهم، وآثارَ وراثتهم، بساتر إنكاره، فله عذاب القطيعة والفضيحة مع إهانة من غير إبانة. اهـ. ببعض البيان.
قال الورتجبي: قوله تعالى: {إلا هو معهم} المعية بالعلم عموم، وبالقرب خصوص، والقرب بالعلم عموم، وبظهور التجلِّي خصوص، وذلك دنو {دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى}، فإذا ارتفع الأين والبين والمكان والجهات، واتصل أنوارُ كشوف الذات والصفات بالعارف، فذلك حقيقة المعية، إذ هو سبحانه مُنزّه عن الانفصال والاتصال بالحدث.
ولو ترى أهل النجوى، الذين مجالستهم لله وفي الله، لترَى من وجوههم أنوار المعية، أين أنت من العلم الظاهر، الذي يدل على الرسوم. ألم تعلم أنَّ علمه تعالى أزلي، وبالعلم يتجلّى للمعلومات، فالصفات شاملة على الأفعال، ظاهرة من مشاهد الملعومات، فإذا كان الذرات لا تخلو من قرب الصفات، كيف تخلو عن قرب الذات الأرواحُ العالية المقدّسة العاشقة المستغرقة في بحر وُجوده، لا تظن في حقي أني جاهل بأنّ القديم لا يكون محل للحوادث، فإنه حديث المُحدَثين، أعبرْ من هذا البحر حتى لا تجد الحدثان ولا الإنسان في مشاهدة الرحمان. اهـ.
قلت: وحاصل كلامه: أنَّ المعيّة بالعلم تستلزم المعية بالذات، إذا الصفة لا تفارق الموصوف، وإنَّ بحر الذات اللطيف محيط بالكثيف منه من غير انفصال، وأما كون القديم لا يكون محل الحوادث فصحيح، لكن الحوادث عندنا فانية متلاشية، إذ ما ثَمَّ إلا تلوينات الخمرة الأزلية، وقد قال الجنيد: إذا قرن الحادث بالقديم تلاشى الحادث وبقي القديم، فاعبُرْ عن عالَم الحس إلى بحر المعاني، حتى لا تجد إلاَّ القديم الأزلي، فافهم وسلِّم.
إن لم ترَ الهلالَ فسَلِّم *** لأناس رأوه بالأبصار
تفسير البحر المديد/ ابن عجيبة