قال ذو النون رضى الله تعالى عنه: وصف لى رجل من العرب وذكر من لطائف شأنه وحسن كلامه فى إشارات أهل المعرفة،فارتحلت إليه حتى بلغت مكانه.فوقفت عنده أربعين صباحا فلم أجد وقتا أقتبس من علمه لكثرة شغله بربه،فلما كان بعض الأيام نظر إلى وقال: من أين الرجل ؟
فأجبته.
فقال: لأى شئ جئتنى ؟
قلت:لأقتبس من علمك ما يرشدنى إلى ربى
فقال: اتق الله واستعن به وتوكل عليه فإنه ولى حميد.
ثم سكت.
فقلت: زدنى يرحمك الله تعالى، فإنى رجل غريب جئتك من بلد بعيد أريد أن أسألك أشياء اختلجت فى ضميرى
فقال: أمتعلم أنت أم عالم أم مناظر ؟
فقلت: بل متعلم محتاج.
قال: قف فى درجة المتعلمين واحفظ أدب السؤال ، فإنك إن تعديت وتركت الحرمة أفسد ذلك عليك نفع العلم. فإن العقلاء من العلماء والعارفين من الأصفياء سلكوا طريق الصدق والوفاء وقاموا على قدم القرب والصفاء ، وقطعوا أودية الحزن والبلاء ، فذهبوا بخير الدارين ولذائذهما
فقلت: يرحمك الله متى يبلغ العبد ما وصفت؟
فقال: إذا صار خارجا عن الأسباب والأنساب وقطع قلبه من كل علاقة
فقلت: ومتى يكون العبد كذلك؟
قال: إذا خرج من جميع الحول والقوة وليس له شئ يملكه ولا حال يعرفه.
كتاب روض الرياحين فى حكايات الصالحين لليافعى