قال ذو النون المصري رضي ألله عنه : بلغني أنّ بجبل ألمقطّم جارية متعبدة فأحببت لقائها فخرجت ألى ألمقطّم اطلبها فلم أجدها. فسألت بعض ألعبّاد عنها فقالوا أنها مجنونة وهي في ألوادي ألفلاني , فذهبت الى الوادي فلما أشرفت عليه سمعت صوتا حزينا يقول :
يا ذا الذي انس الفؤاد بذكره ......أنت الذي ما أن سواك أريد
قال : فاتّبعت الصوت فاذا بجارية جالسة على صخرة , فسلمت عليها فردّت علي ألسلام وقالت : يا ذا النون ما لك وللمجانين تطلبهم ؟ فقلت لها وأنت مجنونة ؟؟ فقالت لو لم أكن مجنونة لما نودي عليّ بالجنون . فقلت لها ما الذي جنّنك ؟ قالت يا ذا النون ( حبّه جنّني وشوقه هيّمني ,ووجده أقلقني )لأن الحب في القلب والشوق في الفؤاد والوجد في السر , فقلت يا جارية : هل الفؤاد غير القلب ؟ فقالت نعم , الفؤاد نور القلب والسر نور الفؤاد, فالقلب يحب , والفؤاد يشتاق , والسر يجد , قلت وما يجد ؟ قالت يجد الحق قلت وكيف يجد الحق ؟ قالت يا ذنون وجدان الحق بلا كيف , ثم أنشأت تقول :
ان كنت بالوجد موجودا فلا وجدت ....نفسي وجودك ألاّ بعد موجودي
فقلت يا جارية ما صدق وجدانك للحق ؟ فبكت بكاءا شديدا حتى كادت نفسها تفيض ثم غشي عليها . فلما افاقت نادت تقول :
فوجدي به وجد بوجد وجوده .........ووجد وجود الواجدين لهيب
لئن متّ حقا في محبّة سيدي .......فأن المنايا في ألفؤاد تطيب
ثم صاحت صيحة وقالت : هكذا يموت الصادقون , وغشي عليها ساعة , فحرّكتها فاذا هي ميّتة , فطلبت شيئا أحفر لها به قبرا , فاذا هي قد غيّبت عني , فلم أجدها رحمة ألله عليها.
كتاب روض الرياحين فى حكايات الصالحين لليافعى