آخر الأخبار

جاري التحميل ...

ومن الحب ما قتل- ابن الفارض

كان ابن الفارض يعيش في حالات الوجد والفناء باللّه كما عاش كبار مشايخ الصوفية كالحلّاج، والسهروردي، وابن عربي وغيرهم. فقد كان يعيش في غيبوبة تطولُ لِأيّام، حتّى أثناء صحوه، كان ابن الفارض في أحايين كثيرة لايسمع كلام محدّثه ولايراه، ويقول"الشيخ محمّد" ابنه : «كان الشيخ في غالب أوقاته لايزال دهشاً وبصره شاخصاً لايسمع من يكلّمه ولا يراه. فتارة يكون واقفاً، وتارة يكون قاعداً، وتارة يكون مضطجعا ًإلى جنبه، وتارة يكون مستلقيا ًعلى ظهره كالميّت ويمرّ عليه عشرة أيام متواصلة وأقلّ من ذلك أوأكثر، وهوعلى هذه الحالة، لا يأكل، ولايشرب، ولايتكلّم ولايتحرّك، ثم يستفيق وينبعث من هذه الغيبة، ويُملي من الشعر أبياتاً.»وعن منزلته في عصره، يقول حفيدهُ، ابن بنته ـ الشيخ عليّ ـ رحمهما الله: «كان إذا مشى في المدينة، يزدحم الناس عليه، يلتمسون منه البركة والدعاء، ويقصدون تقبيل يده فلايمكن أحدا ًمن ذلك، بل يصافحه، وكانت ثيابه حسنة ورائحته طيّبة، وكان إذا حضرَ في مجلسٍ،يظهر على ذلك المجلس سكون وهيبة، وسكينة ووقار. ورأيتُ جماعة من مشايخ الفقهاء والفقراء، وأكابر الدولة من الأمراء والوزراء، والقضاة ورؤساء الناس يحضرون مجلسه، وهم في غاية مايكون من الأدب معه،والاتّضاع له، وإذا خاطبوه فكأنّما يخاطبون ملكاً عظيماً، وكان ينفق على من يردّ عليه نفقة متسعة، ويعطي من يده عطأء جزيلاً، ولم يكن يتسبّب في تحصيل شيءٍ من الدنيا، ولايقبل مِن أحدٍ شيئاً.» 

أمّا قصّة وفاته، فقد ذكرها سبطه الشيخ عليّ، كمايلي: 

« كانَ الشيخ، رضي الله عنه، يتردّد إلى المسجد المعروف "بالمُشتهى"في أيّام النيل، ويُحبّ مشاهدة البحر، فتوجّه إلى "المشتهى" يوماً، فسمع قصاراً يقصر ويضرب مقطّعا ًعلى حجرٍ ويقول: قطعَ قلبي هذا المقطّع،
ما كان يصفوا أويتقطّع. فمازال الشيخ يصرخ ويكرّر هذا السجع، ساعة بعد ساعة، ويضطرب اضطراباًشديداً، ويتقلّب على الأرض، ثم يسكن اضطرابه،حتّى يُظَنَّ أنّه قدمات، ثم يستفيق ويتكلّم معنا بكلامٍ لَدُني، ما سمعنا مثله قطّ، ولانحن أن نعبّر عنه، ثمّ يضطرب على كلامه ويعودُ إلى حال وجده،ودخل إلينا رجلٌ من أصحابه، فلمّا رآه وشاهد حاله، قال:

‎أموتُ إذا ذكرتكَ، ثم أحيا
فكَم أحيا عليكَ وكَم أموتُ

فوثبَ الشيخ قائما ًواعتنقه، وقال له: أعِدْ ما قلتَ. فسَكَتَ الرجلُ شفقة منه عليه، وسأله أن يرفق بنفسه، وذكر له شيئا ًمن حاله عند غلبة الوجد عليه، فقال:

‎إنْ ختمَ اللّهُ بغفرانه فكلّ مالاقيتُه سهلٌ

ولم يزل على هذه الحال من حينَ سمعَ كلام القصّار إلى أن توفّي رحمة الله عليه.»

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية