آخر الأخبار

جاري التحميل ...

إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ.

{ إِنَّ عِبَادِي }: إذا سمى الله واحداً عبداً فهو من جملة الخواص، فإذا أضافه إلى نفسه فهو خاص الخاص، وهم الذين محاهم عن شواهدهم، وحفظهم وصانهم عن أسباب التفرقة وجرَّدهم عن حَوْلهم وقُوَّتِهم، وكان النائبَ عنهم في جميع تصرفاتهم وحالاتهم،وحفظ عليهم آدابَ الشرع، وألبَسُهم صِدارَ الاختيار في أوان أداء التكليف، وأخذهم عنهم باستهلاكهم في شهوده،واستغراقهم في وجوده.. فأيُّ سبيلٍ للشيطان إليهم؟ وأي يدٍ للعدو عليهم؟
ويقال أراد بقوله: «عِبادِي» الخواص من المؤمنين الذين هم أهل الحفظ والرحمة والرعاية من قبل الله فإن وساوس الشيطان لا تضرّهم لالتجائهم إلى الله، ودوام استجارتهم بالله، ولهذا فإن الشيطان إذا قرب من قلوب أهل المعرفة احترق بضياء معارفهم.
قال بعضهم: عبادى الذين أوصلتهم إلى قربى من غير كلفة ولا سابقة أفنيتهم عن صفاتهم وزينتهم بإظهار صفاتى عليهم فهم مع الخلق بالهياكل، ومعى بالأرواح والسرائر لا عليهم من الخلق أثر، ولا لهم مما هم فيه خبر أولئك هم عبادي حقًا ليس لهم مطلب سواى ولا مرجع إلا إلى هم هم لا بإياهم بل أنا أنا ولا هم هم، فلا صفة لهم، ولا أخبار عنهم لفنائهم عنهم، وبقائهم بى.
يقال السلطان هو التّسلّط، وليس لإبليس على أحد تسلط إذ المقدور بالقدرة الحادثة لا يخرج عن محل القدرة الإلهية، فالحادثات كلها تحدث بقدرة الله فلا لإبليس ولا لغيره من المخلوقين تسلط من حيث التأثير فى أحد، وعلى هذا أيضا فالآية للعموم.
ومَنْ أشهدِ الحقُّ حقائقَ التوحيد، ورأى العالَمَ مُصَرَّفاً في قبضة التقدير، ولم يكن نهباً للأغيار.. فمتى يكون لِلَّعين عليه تسلط.
ويقال إنّ فرار الشيطان من المؤمنين أشدّ من فرار المؤمنين، من الشيطان.
والخواص من عباده هم الذين لا يكونون فى أسرغيره،وأمّا من استعبده
هواه،واستمكنت منه الأطماع، واسترقته كل خسيسة ونقيصة فلا يكون من جملة خواصه..وفى الخبر «تعس عبد الدرهم تعس عبد الدينار»ويقال فى «عِبادِي» هم المتفيّئون فى ظلال عنايته، والمتبرّون عن حولهم وقوّتهم، المتفرّدون بالله بحسن التوكل عليه ودوام التعلّق به.

العباد الذين ليس للشيطان عليهم سلطان، هم الذين أضافهم إلى نفسه؛ بأن اصطفاهم لحضرة قدسه، وشغلهم بذكره وأُنسه، لم يركنوا إلى شيء سواه، ولم يلتجئوا إلاَّ إلى حماه. فلا جرم أنه يحفظهم برعايته، ويكلؤهم بسابق عنايته. فظواهرهم قائمة بآداب العبودية، وبواطنهم مستغرقة في شهود عظمة الربوبية. فلمَّا قاموا بخدمة الرحمن، حال بينهم وبين كيد الشيطان، وقال لهم: ربكم الذي يُزجي لكم فلك الفكرة في بحر الوحدة؛ لتبتغوا الوصول إلى حضرة الأحدية، إنه كان بكم رحيمًا.
عبد الله حقًا من كان فى وثاق خدمته وأسر منته لا ينفك من إقامة خدمته، وشكر نعمته ومن يكون فى سلطان الله لا يكون لغيره عليه سلطان وسلطانه فهذه له فى كل وقت حتى لا يجد راحة يرجع إليها ولا مأوى.
اعلم انه لا ينقطع عن العبد تسلط الشيطان حتى يدخل مقام الشهود والعيان، حين يكون عبداً خالصاً لله، حراً مما سواه، وذلك حين ينخرط في سلك القوم، ويزول عنه لوث الحدوث والعدم، فيفنى من لم يكن، ويبقى من لم يزل، وذلك بتحقيق مقام الفناء، ثم الرجوع إلى مقام البقاء. قال الشيخ أبو المواهب رضي الله عنه: من رجع إلى البقاء أمن من الشقاء؛ وذلك أن العبد حين يتصل بنور الله، ويصير نوراً من أنواره، يحترق به الباطل ويدمغ، فلا سبيل للأغيار عليه. ولذلك قال بعضهم: نحن قوم لا نعرف الشيطان، فقال له القائل: فكيف، وهو مذكور في كتاب الله تعالى، قال تعالى:
فقال: نحن قوم اشتغلنا بمحبة الحبيب، فكفانا عداوة العدو. وحين يتحقق العبد بهذا المقام ينخرط في سلك قوله تعالى: { إن المتقين في جنات وعيون ادخلوها بسلام آمنين ونزعنا ما في صدورهم من غل.. } الآية، وهذا لا ينال إلا بالخضوع لأهل النور، حتى يوصلوه إلى نور النور، فيصير قطعة من نور غريقاً في بحر النور.
ومع هذا لا ينقطع عنه الخوف والرجاء.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية