قال الله تعالى : ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) ، وقال : ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) ، وقال : ( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) ، وقال عن أوليائه : ( ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ) ، وقال لرسوله : ( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ) ، وقال لرسوله صلى الله عليه وسلم : ( فتوكل على الله إنك على الحق المبين ) ، وقال له : ( وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا ) ، وقال له : ( وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده ) ، وقال له : ( فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) ، وقال عن أنبيائه ورسله : ( وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ) ، وقال عن أصحاب نبيه : ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) ، وقال : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون ) .
يقول القشيري : التوكلُ: شهود نَفْسِك خارجاً عن المُنَّة تجري عليكَ أحكامُ التقديرِ من غير تدبيرٍ منك ولا اطّلاعٍ لكَ على حُكمِه، وسبيلُ العبدِ الخمودُ والرضا دونَ استعلام الأمر، وفي الخبر: " أعوذ بك من عِلْمٍ لا ينفع " ومن العلم الذي لا ينفع - ويجب أَنْ تستعيذَ منه - أن يكون لك شُغْلٌ أو يستقبلك مُهِمٌّ من الأمر ويشتبه عليك وجهُ التدبيرِ فيه، وتكون مُطَالَباً بالتفويض - فَطَلبُكَ العلم وتمنِّيكَ أَنْ تعرفَ متى يصلح هذا الأمرُ؟ ولأي سبَبٍ؟ ومِنْ أيِّ وجهٍ؟ وعلى يد مَنْ؟... كل هذا تخليطٌ، وغيرُ مُسَلَّمٍ شيءٌ منه للأكابر.
فيجب عليك السكونُ، وحُسْنُ الرضا. حتى إذا جاء وقتُ الكَشْف فسترى صورة الحال وتعرفه، وربما ينتظر العبدُ في هذه الحالة تعريفاً في المنام أو ينظر في (...) من الجامع، أو يرجو بيان حاله بأن يجري على لسان مستنطق في الوقت... كلُّ هذا ترْكٌ للأدب، واللَّهُ لا يَرْضى بذلك من أوليائه، بل الواجبُ السكونُ.
قال في القوت: والحسب إلى الحسيب يجعلُه ما شاء كيف شاء، فقد قيل: { فهو حَسْبُه } أي: التوكل حَسْبُه من سائر المقامات، ثم قال معرباً باللطافة، مسلياً للجماعة: { إِنَّ الله بالغ أمره } أي: منفذ حكمه فيمن توكل، ومَن لا يتوكل، إلاَّ أنّ مَن توكّل عليه يكون الله ـ عزّ وجل ـ حَسبه، أي: يكفيه أيضاً مُهِم الدنيا والآخرة، ولا يزيد مَن لم يتوكل عليه جناح بعوضة في قسْمه، كما لا ينقص عليه ذرة من رزقه، لكن يزيد مَن توكل عليه هُدىً إلى هداه، ويرفعه مقاماً في اليقين قدر تقواه، ويُعزّه بعزّه، وينقص مَن لم يتوكل عليه من اليقين، ويزيده من التعب والهم، ويُشتت قلبَه، ويشغل فكرَه، فالمتوكل عليه يُجب له تكفير السيئات، ويُلقي عليه رضاه ومحبته في المقامات، أمّا الكفاية فقد ضَمِنها تعالى لِمن صدق في توكله عليه، والوقاية قد وهبها لمَن أحسن تفويضه إليه، إلاّ أنّ الاختيار وعلم الاستتار إليه في الكفاية والوقاية، يجعل ذلك ما يشاء كيف شاء، وأين شاء، من أمور الدنيا وأمور الآخرة، من حيث يعلم العبد، ومن حيث لا يعلم؛ لأنَّ العبد تجري عليه الأحكام في الدارين، وفقير محتاج إلى الرحمة واللطف في المكانين.
التوكل لغهً :
التوكل من مادة (وكل) يقال: وكل بالله وتوكل عليه واتكل : استسلم له , وفوضه امره واعتمد عليه و إظهار العجز والاعتماد على الغير . ونقول وكلت امري الى فلان اي اعتمدت عليه فيه . ووكّل فلان فلاناً إذا استكفاه أمره ثقةً بكفايته ، أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه وكل إليه الأمر وَكْلاً ووكولاً: سلمه وتركه. ورجل وَكل ووَكُلَة و تُكَلَة أي : عاجز يكل أمره إلى غيره ويتكل عليه. الوكيل الذي يقوم بأمر موكله.
التوكل اصطلاحا
التوكل عمل من أعمال القلب. فالقلب كلما ازداد يقينا بأن الله هو مدبر الأكوان ومجري المقادير كلها في كل الوجود، كلما سهل عليه أن يطمئن إلى حسن تدبير الله ويصدقه فيما ضمن وفيما وعد.
فيقول تعالى:(وفي السماء رزقكم وما توعدون. فو رب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون )،وقد قيل أنه تعالى لجأ إلى القسم لعلمه بضعف يقين عباده.
قال الإمام أحمد : التوكل عمل القلب . ومعنى ذلك أنه عمل قلبي . ليس بقول اللسان ، ولا عمل الجوارح ، ولا هو من باب العلوم والإدراكات .
يقول ابن عباس : ( التوكل هو الثقة بالله. وصدق التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك ) .
التــــوكل: في أصله هو توجه إلى اسمه سبحانه وتعالى "الوكيل" فيقول تعالى عن هذا :(الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ) ونتيجة هذا التوكل أو بصورة أخرى التوجه إلى الله من خلال اسمه "الوكيل" ماذا أصابهم؟ أأضيروا؟ لنر ماذا كانت النتيجة في قوله تعالى وهو الآية التالية للآية السابقة: (فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ).
الــتوكل تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والاعتماد عليه، والثقة به، والتبرِّي من الحول والقوة، مع الأخذ بالأسباب.. فتعاطي الأسباب لا ينافي التوكل فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي أهمل بعيره، “وقال.. اعقلها وتوكل”.
قَوْلهم فى التَّوَكُّل
- في الحديث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً“.
- و قال الحسن : ( إن من توكل العبد أن يكون الله هو ثقته ) .
- وقال الإمام أحمد : ( هو قطع الاستشراف بالإياس من الخلق )، وقال: (وجملة التوكل تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه والثقة به . والتوكل عمل القلب، ومعنى ذلك أنه عمل قلبي ليس بقول اللسان ولاعمل الجوارح و لا هو من باب العلوم والإدراكات )
- قَالَ سرى السقطى : التَّوَكُّل الانخلاع من الْحول وَالْقُوَّة.
- وَقَالَ ابْن مَسْرُوق : التَّوَكُّل الاستسلام لجَرَيَان الْقَضَاء فى الْأَحْكَام
- قَالَ سهل : التَّوَكُّل الاسترسال بَين يدى الله تَعَالَى.
- قَالَ أبوأيوب : التَّوَكُّل طرح الْبدن فى الْعُبُودِيَّة وَتعلق الْقلب بالربوبية والطمأنينة إِلَى الْكِفَايَة.
- قَالَ الْجُنَيْد : حَقِيقَة التَّوَكُّل أَن يكون لله تَعَالَى كَمَا لم يكن فَيكون الله لَهُ كَمَا لم يزل.
- قَالَ أبوسعيد الخراز : قَامَت الكفايات من السَّيِّد لأهل مَمْلَكَته فاستغنوا عَن مقامات التَّوَكُّل عَلَيْهِ ليكفيهم فَمَا أقبح التقاضى بِأَهْل الصفاء جعل التَّوَكُّل عَلَيْهِ لأجل الْكِفَايَة تقاضى الْقيام بالكفاية
- قَالَ بعض الْكِبَار لإِبْرَاهِيم الْخَواص: إِلَى مَاذَا أدّى بك التصوف ؟ فَقَالَ إِلَى التَّوَكُّل.
- قال ابن رجب : “التوكل هو صدق اعتماد القلب على الله“.
- وسئل يحيى بن معاذ : متى يكون الرجل متوكلا ؟ فقال : إذا رضي بالله وكيلا .
- قال ذو النون : هو ترك تدبير النفس ، والانخلاع من الحول والقوة . وإنما يقوى العبد على التوكل إذا علم أن الحق سبحانه يعلم ويرى ما هو فيه .
- قال أبو يعقوب النهرجوري : التوكل على الله بكمال الحقيقية ، كما وقع لإبراهيم الخليل عليه السلام في الوقت الذي قال لجبريلعليه السلام : أما إليك فلا ؛ لأنه غائب عن نفسه بالله . فلم ير مع الله غير الله .
- قال أبو علي الدقاق : التوكل ثلاث درجات : التوكل ، ثم التسليم ، ثم التفويض . فالمتوكل يسكن إلى وعده ، وصاحب التسليم يكتفي بعلمه ، وصاحب التفويض يرضى بحكمه . فالتوكل بداية ، والتسليم واسطة ، والتفويض نهاية . فالتوكل صفة المؤمنين ، والتسليم صفة الأولياء . والتفويض صفة الموحدين .
- التوكل صفة العوام . والتسليم صفة الخواص ، والتفويض صفة خاصة الخاصة .
- التوكل صفة الأنبياء ، والتسليم صفة إبراهيم الخليل ، والتفويض صفة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين .
- يقول أبي طالب المكي : “التوكل من أعلى مقامات اليقين، وأشرف أحوال المقربين“.
- وقال الإمام القشيري : “التوكل محله القلب، والتحرك بالظاهر لا ينافي توكل القلب بعدما تحقق العبد أن التقدير من فعل الله، فإن تَعَسَّر شيء فبتقديره، وإن تيسر شيء فبتيسيره“.
- وقال حجة الإسلام : “التوكل ينبني على التوحيد الذي يترجمه قولك: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والإيمان بالقدرة يترجم عنها قولك: له الملك، والإيمان بالجود والحكمة الذي يدل عليه قولك: وله الحمد، فمن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فقد تم له الإيمان الذي هو أصل التوكل.أعني أن يصير معنى هذا القول وصفا لازما لقلبه غالبا عليه“.
- وقال الشيخ عبد القادر الجيلاني : “حقيقة التوكل: تفويض الأمور إلى الله عزّ وجل، والتنقي عن ظلمات الاختيار والتدبير، والترقي
- إلى ساحات شهود الأحكام والتقدير، فيقطع العبد أن لا تبديل للقسمة، فما قسم له لا يفوته، وما لم يقدر له لا يناله، فيسكن قلبه إلى ذلك، ويطمئن إلى وعد مولاه، فيأخذ من مولاه“
- وقال إبراهيم الخوّاص : “حقيقة التوكل إسقاط الخوف والرجاء مما سوى الله عزّ وجل“.