وردت الرؤيا في القرآن الكريم كما في قوله سبحانه:
(وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) وقال جل جلاله: (لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ ) وقال سبحانه في سورة يوسف: ( إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ) .
وكما ورد في القرآن فقد ورد ذكرها في السنة فقال صلى الله عليه وسلم: (الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ) رواه البخاري عن أنس . .
وأخرج البخاري أيضا عن عبادة بن الصامت وأبي هريرة قال: ( رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة). وأخرج أيضا عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ).
والرؤيا هي مبدأ الوحي وقد كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة ، وأصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثا وصدقها عند اقتراب الزمان لا يكاد يخطئ ولذا فهي من نظير الكرامات التي تخرج على أيدي الصالحين من عباد الله قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: (رؤيا المؤمن كلام يكلم به الرب عبده في المنام) وقال صلى الله عليه وسلم: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات قيل وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له) رواه البخاري.
الرؤيا تختص بالنوم، والرؤية، بالتاء بالبصر. قال البيضاوي: وهي انطباع الصورة المنحدرة من أفق المتخيلة إلى الحس المشترك، المصادفة منها إنما يكون باتصال النفس بالملكوت؛ لما بينهما من التناسب عند فراغها من تدبير البدن أدنى فراغ. انظر تمامه فيه. وأخرج الحاكم في المستدرك، والطبراني في الأوسط، عن ابن عمر قال: لقي عمر عليَّاً ـ رضي الله عنهما ـ فقال: يا أبا الحسن، الرجل يرى الرؤيا فمنها ما يصدق، ومنها ما يكذب، قال: نعم. سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من عبد ولا أمة ينام فيمتلي نوماً إلا عرج بروحه إلى السماء. فالتي لا تستيقظ إلا عند العرش فتلك الرؤيا التي تصدقُ، والتي تستيقظ دون العرش فتلك الرؤيا التي تكذبُ )ـ. فمنها ما تكون واضحة المعنى لا تحتاج إلى تعبير، ومنها ما تكون خفية تحتاج إلى تعبير. والمعبر يحتاج إلى علم وفراسة وزيادة إلهام، فعلم التعبير علم مستقل، وقد أعطى الله منه ليوسف عليه السلام حظاً وافراً.
تعريف الرؤيا اصطلاحا:
قال القاضي أبو بكر بن العربي : الرؤيا إدراكات علقها الله تعالى في قلب العبد على يدي ملك أو شيطان إما بأسمائها أي حقيقتها وإما بكناها أي بعباراتها وإما تخليط ونظيرها في اليقظة الخواطر فإنها قد تأتي على نسق في قصة وقد تأتي مسترسلة غير محصلة وهذا حاصل قول الأستاذ أبي إسحاق .
أنواع الرؤيا :
ولها نوعان:
الأول: رؤيا صادقة وهي رؤيا الأنبياء ومن تبعهم من الصالحين وقد تقع لغيرهم بندور.
الثاني: الأضغاث: وهي لا تنذر بشيء وهي على أنواع:
الأول: تلاعب الشيطان ليحزن الرائي كأن يري أنه قطع رأسه وهو يتبعه أو أنه وقع في هول ولا يجد من ينجده ونحو ذلك .
الثاني: أن يرى أن بعض الملائكة تأمره أن يفعل المحرمات مثلا ونحوه من المحال عقلا .
الثالث: أن يرى ما تتحدث به نفسه في اليقظة أو يتمناه فيراه كما هو في المنام وكذا رؤية ما جرت به عادته في اليقظة أو ما يغلب على مزاجه ويقع عن المستقبل غالبا وعن الحال كثيرا وعن الماضي قليلا.
وجعلها ابن القيم على ثلاثة أنواع هي:
1 - رؤيا رحمانية وهي الرؤيا التي من الله وهي من أسباب هداية العبد إلى الحق ومنها رؤيا الأنبياء وهي وحي معصوم من الشيطان .
2 - رؤيا نفسانية وهي أضغاث الأحلام .
3 - رؤيا شيطانية وهي التي تكون من الشيطان .
أما الرؤيا الصادقة فهي لا تكون إلا موافقة للوحي ومما يعين على صدق الرؤيا تحري الصدق ، وأكل الحلال ، والمحافظة على الأمر والنهي ، والنوم على طهارة ، ومستقبل القبلة ، وذكر الله حتى تغلبه عيناه فإن الرؤيا والحالة هذه لا تكاد أن تكذب .
وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم للطريق الصحيح الذي يسلكه العبد مع رؤياه فأخرج البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله فليحمد الله عليها وليحدث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره) .
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قــَالَ: إِنْ كُنْتُ لأرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ فَقَالَ: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي حَتَّ،،ى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الرُّؤْيَا الصَّالِحـَةُ مِنَ اللَّهِ فَإِذَا رَأَى أَحَدُكــُمْ مَا يُحِبُّ فَلا يُحَدِّثْ بِهَا إِلا مَنْ يُحِبُّ وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا وَلْيَتَعـَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا وَلا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ )
ما جاء في رؤية الله تبارك وتعالى في المنام
قال ابن سيرين: "من رأى ربه في المنام دخل الجنة"، رواه الدارمي وأبو نعيم في "الحلية".
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: احتبس عنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات غداة عن صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس فخرج سريعًا فثوب بالصلاة فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتجوّز في صلاته فلما سلّم دعا بصوته فقال لنا: «على مصافكم كما أنتم» ثم انفتل إلينا فقال: «أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة، إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قُدّر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت، فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال:يا محمد، قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري، قالها ثلاثًا، قال: فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلى لي كل شيء وعرفت. فقال: يا محمد، قلت: لبيك رب، قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: في الكفارات، قال: ما هنّ؟ قلت: مشي الأقدام إلى الجماعات والجلوس في المساجد بعد الصلوات وإسباغ الوضوء في المكروهات، قال: ثم فيم؟ قلت: إطعام الطعام ولين الكلام والصلاة بالليل والناس نيام، قال: سل، قلت: اللهم أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقرب إلى حبك»، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنها حق فادرسوها ثم تعلموها» رواه الإمام أحمد والترمذي وابن خزيمة في "كتاب التوحيد". وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.
ما جاء في رؤية النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي» رواه الإمام أحمد ومسلم وابن ماجه بهذا اللفظ. وفي لفظ لأحمد: «من رآني في المنام فقد رآني إن الشيطان لا يتشبه بي»، ورواه البخاري ولفظه: «ومن رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي»، ورواه ابن أبي شيبة بهذا اللفظ، وفي رواية لأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود: «من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي».
وفي رواية لأحمد عن عاصم بن كليب حدثني أبي أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي». قال عاصم: فحدثنيه ابن عباس رضي الله عنهما فأخبرته أني قد رأيته، قال: رأيته؟ قلت: إي والله لقد رأيته. قال: فذكرت الحسن بن علي، قال: إني والله قد ذكرته ونعته في مشيته، قال فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه كان يشبهه، وقد رواه الترمذي في الشمائل والحاكم بنحوه مختصرًا وصححه الحاكم والذهبي.