عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إنما الأعمال بالنيّات ، وإنما لكل امريء مانوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله ، فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها ، فهجرته إلى ما هاجر إليه ) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما .
النية لغة العزم، قال صاحب مختار الصحاح: نوى ينوي نية ونواه عزم. وفي اصطلاح الشرع عرفها السيوطي في الأشباه والنظائر نقلاً عن البيضاوي فقال: النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقاً من جلب نفع أو دفع ضر حالاً أو مآلاً.
وتكلم ابنُ جزي هنا على الإخلاص، فقال: اعلم أنَّ الأعمال على ثلاثة أنواع: مأمورات ومنهيات ومباحات؛ فأمّا المأمورات فالإخلاص فيها عبارة عن: خلوص النية لوجه الله، بحيث لا يشوبها أُخرى، فإن كانت كذلك فالعمل خالص، وإن كانت لغير وجه الله من طلب منفعة دنيوية أو مدح أو غير ذلك، فالعمل رياء محض مردود، وإن كانت النية مشتركة؛ ففي ذلك تفصيل، فيه نظر واحتمال.
ودرجات النية ثلاث:
الأولى : أن يعبد الله لطلب غرض دنيوي أو أخروي من غير ملاحظة أحد من الخلق.
والثانية : أن يعبد الله لطلب الآخرة فقط.
والثالثة : أن يعبد الله عبودية ومحبة.
وقيمة كل أحدٍ نيته؛ فَمَنْ كانت همتُه الدنيا فقيمتُه خسيسةٌ حقيرة كالدنيا، ومن كانت همتُه الآخرة فشريفٌ خطره، ومن كانت همتُه ربانية فهو سيد وقته.
ويقال مَنْ صفا عن إرادته وصل إليه، ومن وصل إليه أقبل - بلطفه - عليه، وأزلفه بمحل الخصوصية لديه.
جاء في الإحياء :أما بعد،فقد انكشف لأرباب القلوب ببصيرة الإيمان وأنوار القرآن أن لا وصول إلى السعادة إلا بالعلم والعبادة فالناس كلهم هلكى إلا العالمون والعالمون كلهم هلكى العاملون والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون والمخلصون على خطر عظيم.
فالعمل بغير نية عناء والنية بغير إخلاص رياء وهو للنفاق كفاء ومع العصيان سواه والإخلاص من غير صدق وتحقيق هباء وقد قلل الله تعالى في كل عمل كان بإرادة غير الله مشوباً مغموراً " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً " وليت شعري كيف يصحح نيته من لا يعرف حقيقة النية أو كيف يخلص من صحح النية إذا لم يعرف حقيقة الإخلاص أو كيف تطالب المخلص نفسه بالصدق إذا لم يتحقق معناه فالوظيفة الأولى على كل عبد أراد طاعة الله تعالى أن يتعلم النية أولاً لتحصل المعرفة ثم يصححها بالعمل بعد فهم حقيقة الصدق والإخلاص اللذين هما وسيلتا العبد إلى النجاة والخلاص.
ونيات الناس في الطاعات أقسام: إذ منهم من يكون عمله إجابة لباعث الخوف فإنه يتقي النار،ومنهم من يعمل إجابة لباعث الرجاء وهو الرغبة في الجنة وهذا وإن كان نازلاً بالإضافة إلى قصد طاعة الله وتعظيمه لذاته ولجلاله لا لأمر سواه فهو من جملة النيات الصحيحة لأنه ميل إلى الموعود في الآخرة وإن كان من جنس المألوفات في الدنيا وأغلب البواعث باعث الفرج والبطن وموضع قضاء وطرهما الجنة فالعامل لأجل الجنة عامل لبطنه وفرجه - كالأجير السوء - ودرجته درجة البله وإنه لينالها بعمله إذ أكثر أهل الجنة البله.
وأما عبادة ذوي الألباب فإنها لا تجاوز ذكر الله تعالى والفكر فيه حباً لجماله وجلاله وسائر الأعمال تكون مؤكدات وروادف وهؤلاء أرفع درجة من الالتفات إلى المنكوح والمطعوم في الجنة فإنهم لم يقصدوها بل هم الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه فقط وثواب الناس بقدر نياتهم فلا جرم يتنعمون بالنظر إلى وجهه الكريم ويسخرون ممن يلتفت إلى وجه الحور العين كما يسخر المتنعم بالنظر إلى الحور العين ممن يتنعم بالنظر إلى وجه الصور المصنوعة من الطين! بل أشد.
أقوال في النية
- قال بعض السلف: رب عمل صغير تعظمه النية ورب عمل كبير تصغره النية.
- وقال داود الطائي: البر همته التقوى فلو تعلقت جميع جوارحه بالدنيا لردته نيته يوماً إلى نية صالحة وكذلك الجاهل بعكس ذلك.
- وقال أبو هريرة: يبعثون يوم القيامة على قدر نياتهم.
- وقال الحسن: إنما خلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار بالنيات.
- وقال الثوري: كانوا يتعلمون النية للعمل كما تتعلمون العمل.
- وقال بعض العلماء: اطلب النية للعمل قبل العمل وما دمت تنوي الخير فأنت بخير.
وكان بعض المريدين يطوف على العلماء يقول: من يدلني على عمل لا أزال فيه عاملاً لله تعالى فإني لا أحب أن يأتي علي ساعة من ليل أو نهار إلا وأنا عامل من عمال الله فقيل له: قد وجدت حاجتك فاعمل الخير ما استطعت فإذا فترت أو تركته فهم بعمله فإن الهام بعمل الخير كعامله.