آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مقامات وأحوال الصوفية : المكاشفة

قال الله تعالى :( فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ).

وجه احتجاجه بإشارة الآية : أن الله سبحانه كشف لعبده صلى الله عليه وسلم ما لم يكشفه لغيره ، وأطلعه على ما لم يطلع عليه غيره ، فحصل لقلبه الكريم من انكشاف الحقائق التي لا تخطر ببال غيره ما خصه الله به ، والإيحاء هو الإعلام السريع الخفي ، ومنه الوحا الوحا ؛ أي : الإسراع الإسراع . 
يقول شيخ الإسلام الإمام عبدالله الانصاري رضى الله تعالى عنه بأن المكاشفة هي حق اليقين وهو الدرجة العليا الثالثة من منزل اليقين الذي هو المنزل الخامس من قسم الأصول، وعرفها بأنها إسفار صبح الكشف لاستيلاء نور تجلي الحقيقة على ظلمة رسم العبد.
ثم أفرد شيخ الإسلام الأنصاري منزل المكاشفة مستقلا في أول قسم الحقائق من منزال السائرين وذكر إن غاية هذه المكاشفة المشاهدة.وما دام اليقين لا تنعقد شروطه إلا بالمعرفة، والمكاشفة هي حق اليقين فان منزل المكاشفة يتربع في قمة المعرفة واليقين.

ولقد تناول العارفون في تصانيفهم حقيقة المكاشفة ووضعوا لها جملة من التعريفات التي تجسد حقيقتها·
فقال السيد الشريف الجرجاني قدس الله سره الكشف في اللغة رفع الحجاب وفي الاصطلاح هو الاطلاع على ما وراء الحجاب من المعاني الغيبة والأمور الحقيقية وجودا وشهودا.
ويقول أيضا المكاشفة وهي حضور لا ينعت بالبيان .
وفي التعريف بالمكاشفة أيضا يقول العارف الشيخ عبدالرازق القاشاني رضي الله عنه في معجم المصطلحات والإشارات الصوفية: المكاشفة في العرف العام عبارة عن كشف النفس لما غاب عن الحواس إدراكه على وجه يرتفع الريب منه كما في المرئيات، سواء كان انكشاف ذلك بفكر أو حدس أو سائح عيني حصل عن الفيض العام سواء كان مما يتعلق بالحقائق العلمية أو الأنوار الكونية الجزئية الكاشفة عن غيب ما وقع في الماضي أو ما سيقع في المستقبل .

وفي بيان المكاشفات عند الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن عربي قدس الله سره نجده يعرف الكشف بقوله: الكشف هو الخروج عن الحجاب على الوجه الذي يدرك [به] صاحب الكشف شيئا لم يدركه قبله. ثم يردف قائلا : والحجاب عبارة عن الموانع التي كان العبد بسببها محجوبا عن حضرة الله تعالى وذلك جملة العوالم المختلفة من الدنيا والآخرة كما قال صلى الله عليه وسلم :(إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة).

ولشيخ الإسلام سيدي زكريا الأنصاري رضي الله تعالى عنه في شرحه على الرسالة القشيرية تعريف رائع للكشف إذ يقول: وبعدها -أي المحاضرة- الكشف، وهو إزالة الستر الحسي واستنشاق الأسرار الإلهية من وراء الحجب البشرية.
وثمة بيانٌ رائع لحقيقة الكشف والمكاشفة أدلى به القطب سيدي احمد الرفاعي رضي الله تعالى عنه وأثبته الإمام الشعراني قدس الله سره في ترجمته من طبقاته الكبرى بقوله وكان رضي الله عنه يقول : الكشف قوة جاذبة بخاصيتها نورَ عين البصيرة إلى فيض الغيب فيتصل نورها به اتصال الشعاع بالزجاجة الصافية حال مقابلتها المنبع إلى فيضه ثم يتقاذف نوره منعكسا بضوئه على صفاء القلب ثم يترقى ساطعا إلى عالم العقل فيتصل به اتصالا معنويا له اثر في استفاضة نور العقل على ساحة القلب فيشرق نور العقل على إنسان عين السر فيرى ما خفى عن الأبصار موضعه ودق عن الأفهام تصوره واستتر عن الاغيار مرآه.

وجاء في إحياء علوم الدين:فاعلم أنه قسمان : علم مكاشفة وعلم معاملة .
فالقسم الأول علم المكاشفة وهو علم الباطن ، وذلك غاية العلوم وهو علم الصديقين والمقربين : أعنى علم المكاشفة . فهو عبارة عن نور يظهر في القلب عند تطهيره وتزكيته من صفاته المذمومة : وينكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها فيتوهم لها معانى مجملة غير متضحة ، فتتضح إذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وبصفاته الباقيات التامات ، وبأفعاله وبحكمه في خلق الدنيا والآخرة
وقال الغزالي في كتابه أصناف المغرورين: العلم علمان: علم معاملة وعلم مكاشفة، وعلم المكاشفة وهو العلم بالله تعالى وبصفاته..
قال بعضهم: اليقين هو المكاشفة، والمكاشفة على ثلاثة أوجه: مكاشفة بالإخبار ومكاشفة بإظهار القدرة، ومكاشفة القلوب بحقائق الإيمان.
واعلم أن المكاشفة في كلامهم عبارة عن ظهور الشيء للقلب باستيلاء ذكره من غير بقاء للريب، وربما أرادوا بالمكاشفة ما يقرب مما يراه الرائي بين اليقظة والنوم , وكثيرا ما يعبر هؤلاء عن هذه الحالة بالثبات , سمعت الإمام أبا بكر بن فورك يقول سألت أبا عثمان المغربي، فقلت ما هذا الذي تقول؟ قال الأشخاص أراهم كذا وكذا، فقلت تراهم معاينة أو مكاشفة؟ قال: مكاشفة.

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية