آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الحكم العطائية : (154): ربما وقفت القلوب مع الأنوار كما حجبت النفوس بكثائف الأغيار.


قلت : قد تقف بعض القلوب مع أنوار المقامات دون الوصول إلى الغايات فتحجب عن الوصول كما حجبت النفوس بكثائف الأغيار.وذلك أما لعدم وجود شيخ التربية أو لضعف الهمم عن الترقية، فقد ينكشف لبعض القلوب عن سر توحيد الأفعال فتفنى في العمل وتذوق حلاوته، فتقف مع وهواتف الحقيقة تناديها الذي تطلبه أمامك.

وقد ينكشف لها عن سر توحيد الصفات وتلوح لها أنوار المقامات كتحقيق الزهد واورع وصحة التوكل والرضى والتسليم وحلاوة المحبة والاشتياق إلى غير ذلك فتقنع بذلك وتقف هنالك، والمطلوب هو الكشف عن سر توحيد الذات وأنوار الصفات {وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ} (النجم : الآية 42).

فالنور عبارة عن الحلاوة والقوة التي يجدها المريد في باطنه من مزيد إيمان وقوة إيقان، فحلاوة الخدمة لأهل الفناء في الأفعال، وحلاوة الذكر الحسي اللساني أو القلبي لأهل الفناء في الصفات، وحلاوة الفكرة والنظرة لأهل الفناء في الذات.

وإن شئت قلت :  ربما وقفت القلوب مع أنوار الأحوال فتحجبت عن مقامات الرجال،أو مع أنوار المقامات فتحجبت عن معرفة الذات، ولذلك قال الشيخ ابن مشيش لتلميذه أبي الحسن:" أشكو إلى الله من برد الرضى والتسليم كما تشكو أنت من حر التدبير والاختيار" . واعلم أن الوقوف مع الأحوال أو المقامات إنما هو من عدم الوصول إلى الشيخ وأما من صحب الشيخ وأكثر الوصول إليه فلا بد أن يرحله إلى المقصود إلا أن يرى همته ضعيفة لا تطيق أنوار الشهود فيتركه على ما هو عليه حتى تنهض همته إلى شهود المعبود.

وشبه الشيخ رضي الله عنه حجب القلوب بالأنوار وحجب النفوس بالأغيار، لاشتراكهما في الحجب عن الله لكن حجب النفس بالأغيار أشد لأنها ظلمة والظلمة أشد حجاباً من النور، فالقلوب نورانية حجبت بالنور والنفوس ظلمانية حجبت بالظلمة ،وكثائف الأغيار هي ما ظهر من بهجة الدنيا وزخرفها وغرورها وزهرتها وهي التي أشار إليها الحق تعالى بقوله :{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ...} الخ الآية، ويدخل فيها ما يلائمها من حب الجاه والرياسة وحب المدح والتعظيم وغير ذلك من شهواتها وعوائدها، وهي التي حجبت جل الناس وساقتهم إلى الخيبة والإفلاس نسئل الله العصمة بمنة وكرمه.

ويدخل في الأغيار العلوم العقلية واللسانية فالاشتغال بها والوقوف مع حلاوتها من أشد الحجب عن معرفة الله، أعني المعرفة الخاصة، ويدخل فيها أيضاً الكرامات الحسية كالطيران في الهواء والمشي على الماء، فالوقوف مع ذلك من أشد الحجب أيضاً ولذلك قال بعضهم:" أشد حجاباً عن الله العلماء ثم العباد ثم الزهاد، فسبحان من حجب العلماء بعلمهم عن معلومهم، والعباد بعبادتهم معبودهم، والصالحين بصلاحهم عن مصلحهم والله من وراء ذلك كله وفي ذلك كله".

إيقاظ الهمم في شرح الحكم

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى موقعنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد الموقع السريع ليصلك جديد الموقع أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

جميع الحقوق محفوظة

نفحات الطريق الصوفية